الفصل الأول: حفظ القرآن في الصدور
الفصل الأول: حفظ القرآن في الصدور
المبحث الأول: فضل حفظ القرآن الكريم
المبحث الثاني: حفظ النبي صلى الله عليه وسلم للقرآن
الكريم
المبحث الثالث: الرد على
دعوى جواز نسيان النبي r القرآن أو إسقاطه عمدًا
مسألة وقوع النسيان من النبي صلى الله عليه وسلم
المبحث الرابع: الحفاظ من الصحابة
أسانيد القراء العشرة إلى الصحابة
الرد على طعن الملاحدة في تواتر القرآن
الفصل الثاني: تدوين القرآن الكريم
الفصل الثاني تدوين
القرآن الكريم
المبحث الأول: الأمر بكتابة القرآن
سبب جمع القرآن كتابة في العصر النبوي
مواد الكتابة في العصر النبوي
المبحث الثاني: أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف
واحد
المبحث الثالث: كُتَّاب الوحي
الفصل الثالث: ترتيب الآيات والسور
الفصل الثالث: ترتيب
الآيات والسور
المبحث الأول: الآية والسورة لغةً واصطلاحًا
الآية في اللغة
الآية اصطلاحًا
السورة لغة
السورة اصطلاحًا
المبحث الثاني: ترتيب الآيات
مسألة: ترتيب الآيات في السورة توقيفي
المبحث الثالث: ترتيب السور
القول الراجح
الفصل الرابع: العرضة
الأخيرة
الفصل الرابع: العرضة الأخيرة
المبحث الأول: عرض القرآن في كل سنة على
جبريل
ترتيب عرض النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على جبريل عليه
السلام
المبحث الثاني: العرضة الأخيرة للقرآن
الكريم
من حضر العرضة الأخيرة من الصحابة
المبحث الثالث: أثر العرضة الأخيرة في جمع القرآن
الفصل
الأول
حفظ
القرآن في الصدور
المبحث الأول: فضل
حفظ القرآن الكريم
الْمبحث الثاني: حفظ
النبيr للقرآن
الكريم
بواعث حفظ النبي
r
للقرآن
الْمبحث
الأول: فضل حفظ القرآن الكريم
شرَّف
الله أمة الإسلام بخصيصة لم تكن لأحد من أهل الْملل قبلهم، وهي أنَّهم يقرءون كتاب
ربِهم عن ظهرقلبٍ، كما جاء في صفة هذه الأمة عن وهب بن منبه:(1)
أمة أناجيلهم في صدورهم،(2)
بخلاف أهل
الكتاب، فقد كانوا يقرءون كتبِهم نظرًا، لا عن ظهر قلب.(3)
وقد
تكفَّل الله بحفظ هذا الكتاب، كما قال: }
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {
،(4)
وكان من حفظه U لكتابه أن وفَّقَ هذه الأمة إلى حفظه واستظهاره.
وقد
تظاهرت الأدلة على فضل حفظ القرآن الكريم، وفضل حفظته على غيرهم من الْمسلمين، فمن
ذلك:
1 - علوُّ منزلة
حَافظ القرآن، الْماهر به، فعَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ:
مَثَلُ الَّذِي يَقْرأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ مَعَ السَّفَرَةِ
الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَمَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ، وَهُوَ
يَتَعَاهَدُهُ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَدِيدٌ، فَلَهُ أَجْرَانِ.(5)
وعَنْ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ: اقْرَأْ
وَاصْعَدْ،
فَيَقْرَأُ، وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً، حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ
مَعَهُ.(6)
2
- وما ورد من أن حافظ القرآن لا تحرقه النار، فعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قال:
إِنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: لَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ جُعِلَ فِي
إِهَابٍ(7)
ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ مَا احْتَرَقَ.(
قال
ابن
الأثير:(9)
… وقيل الْمعنى: مَن علَّمهُ اللهُ
القرآنَ لم تحرقْهُ نارُ الآخرةِ، فجُعِلَ جسمُ حافظ القرآن كالإهاب
له..(10)
3
- ومنه تشفيعه في أهله، فعَنْ عَلِيٍّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَحَفِظَهُ أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ،
وَشَفَّعَهُ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبَ
النَّارَ.(11)
4
- ومن ذلك أيضًا أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : إِنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ:
هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ.(12)
5
- وكذلك إكرام والدي حافظ القرآن، وإعلاء منزلتهما،
فعَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ
r قَالَ: مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ، أُلْبِسَ
وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيامَةِ، ضَوْءهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي
بُيُوتِ الدُّنْيَا - لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ
بِهَذَا؟(13)
6
- ومن ذلك أيضًا أن حملة القرآن مقدمون على أهل الجنة، قَالَ عَطَاءُ بْنُ
يَسَارٍ:(14)
حَمَلَةُ الْقُرْآنِ عُرَفَاءُ(15)
أَهْلِ الْجَنَّةِ.(16)
وعن
طاوس أنه سأل ابن عباس - رضي الله عنهما:
ما معنى قول الناس:
أهل القرآن عرفاء أهل الجنة ؟ فقال:
رؤساء أهل الجنة.(17)
الْمبحث
الثاني: حفظ النبيr للقرآن الكريم
كان
العرب قبل الإسلام أمَّةً أمِّـيَّةً، لا تقرأ ولا تكتب، والأمي(18)
إنما يعتمد في
حفظ ما يحتاج إلى حفظه على ذاكرته، فليس ثَمَّ كتابٌ يحفظ عليه ما يريد حفظه، وقد
كان العرب يحفظون في صدورهم ما يحتاجون إلى حفظه من الأنساب والحقوق والأشعار
والخطب.
قال
U : }
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّـيِّينَ
رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ {
.(19)
ولما
بُعِثَ النبي r في هذه الأمة كانت إحدى آيات ودلائل نبوته أنه أميٌّ؛ حتى لا يتطرق
إلى أوهام من يدعوهم أن دعوته مبنية على علمٍ حصَّله من مُعَلِّمٍ، كما
قالU : }
وَمَا كُنْتَ تَـتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِنِكَ
إِذًا لاَرْتَابَ الْمبْطِلُونَ {
.(20)
فلما
كان النبي r أُمِّـيًّا، فلا غروَ كان كذلك يعتمد على ذاكرته في الحفظ، فلما
شرَّفه الله بالرسالة، وكان القرآن الكريم آيته التي تحدى بِها الناس كافة والعرب
خاصةً - كان شديد الحرص على حفظ القرآن حال إنزاله - وهو
من أشد الأحوال عليه، حتى لقد كان r يعاني مشقة عظيمة لتَعَجُّلِهِ حفظَ القرآن الكريم، مخافة أن
ينساه، حتى أنزل الله عليه ما يثبت به فؤاده، ويُطَمْئِنُهُ أن القرآن لن
يَتَفلَّتَ منهُ:
قال
الله U : }
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ !
إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ !
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {
.(21)
فطمأنه
الله تعالى أن حفظ وبيان القرآن إليه U ، وأمره أن ينصت إلى الوحي، كما قال U : }
وَلاَ تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل
رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا {
.(22)
قال
الحافظ ابن حجر: ولما كان من أصل الدين أن الْمبادرة إلى أفعال الخير مطلوبةٌ،
فنُـبِّه على أنه قد يَعترضُ على هذا الْمطلوب ما هو أجَلُّ منهُ، وهو الإصغاء إلى
الوحي، وتَفَهُّمُ ما يَرِدُ منه، والتشاغل بالحفظ قد يَصُدُّ عن ذلك، فأُمِرَ
ألاَّ يُبَادر إلى التحفظ ؛ لأن تحفيظه مضمونٌ على ربه اهـ.(23)
عن
سعيد بن جبيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - فِي قَوْلِهِ تعالى:
}
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ {
قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ r يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ،(24)
فَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ
r يُحَرِّكُهُمَا،
وَقَالَ
سَعِيدٌ:
أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رَأَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يُحَرِّكُهُمَا، فَحَرَّكَ
شَفَتَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تعالى: }
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ !
إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {
قَالَ:
جَمْعُـهُ لَكَ فِي صَـدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ، }
فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ {
قَالَ:
فَاسْتَمِعْ لَهُ وَأَنْصِتْ، }
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ {
ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا أَنْ تَقْرَأَهُ.
فَكَانَ
رَسُولُ اللهِ r بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا أَتَاهُ جِبْرِيلُ اسْتَمَعَ فَإِذَا انْطلَقَ
جِبْرِيلُ قَرَأَهُ النَّبِيُّ r كَمَا قَرَأَهُ.(25)
وظاهر
السياق يحتمل أن يكون إنما كان يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ للمشقة التي كان يجدها
r عند نزول الوحي، فكان يتعجل بأخذه لتزول الْمشقة
سريعًا.
وفي
روايةٍ أخرى عند البخاري:
كان يُحَرِّكُ به لسانه مخافة أن ينفلت منه.(26)
فهذه
الرواية صريحةٌ في أن سبب الْمبادرة هو خشية النسيان، أي كان يحرك لسانه لئلا يفلت
منه حرف أو تضيع منه لفظة.
وعن
الشَّعْبِيِّ في هذه الآية: }
لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ {
قال: كان إذا نزل عليه الوحي عَجِلَ يتكلم به من حُبِّه إيَّاه.(27)
وهذه
الرواية تدل على أن سبب الْمبادرة هو حب الرسول r للقرآن، وحب الشيء يستلزم الخوف عليه، والخوف من ذهابه
عنه.
قال
الحافظ ابن حجر:
ولا بُعْدَ في تعَدُّدِ السببِ.(28)
بواعث
حفظ النبي r للقرآن
يُمكن
أن نستخلص مِمَّا سبق بواعث حفظ النبي r للقرآن الكريم، وهي:
1
- أنه الْمبلِّغ عن ربه تعالى، والحفظ ضروري للبلاغ على الوجه الأكمل الذي أمره
الله به.
2
- حب النبي r للقرآن الكريم.
3
- خوف نسيان القرآن.
4
- التوثُّق للقرآن، والتحري في ضبط ألفاظه وحفظ كلماته.
=============================================================================
(1)
تابعي ثقة، ولد سنة 34 هـ، وأخذ عن ابن عباس وابن عمر وأبي سعيد وغيرهم من الصحابة،
كان إخباريًّا قصاصًا، غزير العلم بالإسرائليات وصحائف أهل الكتاب، ومن الْمشهورين
بالعبادة والوعظ، تولي قضاء صنعاء. توفي سنة 110 هـ، وقيل سنة 113 هـ، وقيل سنة 114
هـ. سير أعلام النبلاء (4/544)، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي
(1/150).
(2)
رواه البيهقي في دلائل النبوة باب صفة رسول الله r في التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، وصفة
أمته (1/379).
(3)
انظر فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/400).
(4)
الآية 9 من سورة الحجر.
(5)
رواه البخاري في صحيحه: كتاب التفسير، سورة عبس. صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري
(8/560) ح: 4937.
(6)
رواه ابن ماجه في سننه: كتاب الأدب، باب ثواب القرآن. (2/1242) ح:
3780.
(7)
الإهاب، ككِتَابٍ: الجِلْد. القاموس الْمحيط ( أهب ) ص 77.
(
رواه أحمد في الْمسند: مسند الشاميين (5/148) ح 16914، و (5/156) ح 16967، والدارمي
في سننه: كتاب فضائل القرآن باب فضل من قرأ القرآن (2/430) ح
3310
(9)
هو القاضي الرئيس العلامة الأوحد، مجد الدين أبو السعادات بن الأثير الجزري، صاحب
جامع الأصول وغريب الحديث، وغير ذلك، توفي سنة 606? . سير أعلام النبلاء
(21/488).
(10)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/83).
(11)
رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح: 216.
ورواه الترمذي في سننه: كتاب فضائل القرآن، باب ما جاء في فضل قارئ القرآن ح: 2905،
وقال: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ
إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ. وأحمد
في الْمسند: مسند العشرة الْمبشرين بالجنة عن علي بنحوه (1/239) ح 1271، و (1/241)
ح 1281.
(12)
رواه ابن ماجه في سننه: الْمقدمة، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/78) ح:
215.
(13)
رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب في ثواب قراءة القرآن (2/70)ح: 1453 وأحمد في
مسنده: مسند الْمكيين (4/466) ح 15218.
(14)
عطاء بن يسار الْمدني الفقيه، مولى ميمونة أم الْمؤمنين، تابعي ثبت
حجة، كبير القدر، كان إمامًا فقيهًا واعظًا، قاضيًا بالْمدينة، توفي سنة ? . شذرات
الذهب (1/125)، وسير أعلام النبلاء (4/448).
[sup](15)
العرفاء