إذا أدركت الأهمية الكبرى للوقت في حياة كل مسلم، فعليك استثمار وقتك الاستثمار الأمثل بحيث لا تضيعه بدون فائدة وتأتي يوم لا ينفع مال ولا بنون وتقول ليتني فعلت وفعلت .. والإدارة الصحيحة للوقت تتلَّخص في جملة واحدة::
أن تــُحـسِّن استغــلال الـوقـت الضـــائـع في حيـــاتــك، ولا تُضَيّع لحظة في غير قربةٍ ..
يقول ابن الجوزي "ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يضيع منه لحظة في غير قربة، ويقدم الأفضل فالأفضل من القول والعمل"
فعليك أن تبدأ في إصلاح ما يضيع من وقتك بالتدريج، كأن تحدد عمل معين لكي تستثمر به ربع ساعة مثلاً من الوقت الذي كنت تضيعه من قبل .. سواءًا كان هذا العمل ذكر أو دعوة أو عبادة أو أي عمل صالح بإمكانك القيام به.
واعلم أن 15 دقيقة من وقتك يوميًا = 13 يوم عمل سنويًا.
وفي خلال ربع ساعة بإمكانك أن تستغفر ربِّك ألف مرة، أو تقرأ آيات من القرآن ولك بكل حرفٍ حسنة .. فتصير مليونيرًا بالحسنات خلالها ..
إذًا عليك أن تتــــاجر مع الله بــوقتك .. يقول ابن القيم "فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب فتكون صورة العملين واحدة وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض" .. فتجديد النية وإخلاصها أمر عظيم، وعلى المرء أن يضع ذلك نصب عينيه وهو أمر لا يستغرق منك إلا ثواني معدودة فتأتي بحسنات كالجبال ..
ومن الأعمـــال اليسيــرة التي تتضــاعف بها الأجـــــور:
1) الأعمال المضاعفة .. عن جويرية أن النبي خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، قال "ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟"، قالت: نعم، قال النبي "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته" [رواه مسلم] .. فبمجرد أن تذكر ربك بذكر من الأذكار المضاعفة، تحصل على أجر الذكر لمدة ساعة ونصف كاملة ..
فـاحرص على الأذكـــــار المضــاعفــة .. كي يتضــاعف أجرك وتحسِّن إستغلال وقتك.
2) الدعــــوة .. فعندما تدعو أحدًا إلى الخير تأخذ أجره، كما قال النبي "إن الدال على الخير كفاعله" [رواه الترمذي وصححه الألباني] .. وبالتالي فقد أضفت إلى وقتك المهدَّر من وقته الذي لم ينقص منه شيء .. وكلما كَثر عدد من تدعوهم، تضاعف أجرك.
واحرص على أن تترك من ورائك كنز ينتفع به الآخرون .. كما ترك لنا الصحابة رضوان الله عليهم هذا العلم الذي ننتفع به إلى يومنا هذا، فصار في ميزان حسناتهم إلى يوم الدين.
3) صلة الرحم .. عن أنس قال: قال رسول الله "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره (أي: يزاد في عمره) فليصل رحمه" [متفق عليه] .. وأجاب العلماء بأن هذه الزيادة تكون بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات، وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.
كما أن صلة الأرحام وبر الوالدين سببًا في تكفير الذنوب الثقيلة .. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أتى النبي "هل لك من أم؟" قال: لا، قال "فهل لك من خالة"، قال: نعم، قال "فبرها" [رواه الترمذي وصححه الألباني]
4) قيِّم وقتك بمقدار الأعمال التي تستطيع إنجازها فيه .. وليس بمقياس الدقائق والثواني، فقد كان الصحابة يقيسون وقتهم بمقدار الآيات التي يستطيعون قرائتها خلاله.
الطرق العمليــة لإدارة الوقت بفــاعليــة ..
أولاً: اعلم إنك ستواجه معوقات في الطريق .. فالمهام لا تنتهي ولابد أن يكون لكل هدف من أهدافك وقت محدد لتحقيقه دون تسويف، واحذر من طول الأمل فالنبي قال "لا يزال قلب الكبير شابا في اثنين في حب الدنيا وطول الأمل" [متفق عليه]
ثانيًا: تنظيم كل شيء حولك .. فتكتب هدفك بوضوح وتعمل على ترتيب وتوفير الأدوات التي ستستخدمها لتحقيق هذا الهدف، واجعل جميع من حولك يستشعرون أهمية هذا الهدف بالنسبة لك كي لا يعطلوك عن تحقيقه ..
وتحرص على أن تجعل صحبتك يحددون أهدافهم أيضًا .. فإن أصروا على الإحباط وتضييع الأوقات، فعليك بتركهم .. يقول الله عز وجل {..وَلَا تطِع مَن أَغفَلنَا قَلبَه عَن ذِكرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاه وَكَانَ أَمره فرطًا} [الكهف: 28]
ثالثًا: عمل جدول أعمال يومي .. ومن الأساسيات التي ينبغي أن تحددها في هذا الجدول:
1) مقدار آيات القرآن التي ستحفظها يوميًا .. وليكن شعارك::
مُصحف في جيبك، كنز في قلبك،،
2) الورد اليومي من القراءة التعبدية.
3) ورد مُحدد من الذكر والإستغفار.
4) ورد العبادات، كالنوافل وصيام التطوع.
5) التوازن بين متطلبات الحياة وأعمال البر وصلة الرحم .. حتى لا يكون جدولك قاصرًا على جانب واحد فقط.
6) تنظيم ساعات نومك والأوقات التي ستعمل فيها .. واجعل الأوقات الصافية الخالية من المشاغل للأمور التعبدية .. واحرص على القيام بسنن النوم.
وإليــــك البرنـامــج الأســاس ليــومك ..
1) يومك يبدأ من قبل الفجر بساعة .. تستيقظ وتتهيأ لصلاة الليل .. وبعدها ربع ساعة خلوة مع ربك سبحانه وتعالى، تقضيها في المناجاة والتضرع والتبتل إلى الله عز وجل .. وهذه هي الساعة التي سُيبنى عليها يومك، فمن أصلَّح ليله أصلَّح الله له نهاره.
2) ثمَّ جلسة الشروق .. وإن لم تتمكن من الإعتكاف وقتها، فلابد أن يكون لك بدائل كأن تجلس ما بين العصر والمغرب أو ما بين المغرب والعشاء .. لإنها من الأوقات المُباركة، التي لابد أن تحرِّص على الذكر فيها.
3) وقت البكور (الضحى) هو من أعظم الأوقات بركة .. وقد كان النبي يدعو ويقول "اللهم بارك لأمتي في بكورها" [رواه أبو داوود وصححه الألباني]
فلابد أن تُخصص هذا الوقت لقراءة وردك أو للحفظ .. لأن أفضل الأوقات لحفظ حروف كتاب الله، تكون قبل الفجر وبعد الفجر مباشرة.
واحصِّر ذهنك في هدف واحد .. فهذا مما يُعين على حفظ حروف كتاب الله والخشوع في الصلاة، فاحرص على ألا تُحدثك نفسك واحذر من وساوس الشيطان الذي يريد تشتيت ذهنك ولا يجعلك تُركِّز في هدف محدد.
4) اشترط على نفسك من بداية اليوم .. وحدد كل الأعمال التي ستقوم بها خلال اليوم وحاسب نفسك عليها .. وأربط جميع مواعيدك بأوقات الصلاة، حتى تكون الصلاة هي إهتمامك الأكبر فلا يشغلك عنها شاغل.
5) ثمَّ تبدأ في أعمالك الحياتية اليومية .. من دراسة وعمل أو غير ذلك.
6) ثمَّ وقت من العصر للمغرب .. خلوه مع الله تعالى لعبادة أذكار المساء، وهو من الأوقات الهامة في حياتك فلا تسمح لأحدٍ أن يسرق من وقت هو لله عز وجل.
7) ثمَّ وقت الليل وهو وقت الصفــــاء .. فلابد أن تُحدد الأعمال التي ستقوم بها خلاله وتُحدد وقت نومك.
نسأل الله عز وجلَّ أن يوفقنا لأن نُدير أوقاتنا بما يُرضيه عنا،،