الجمع
في اللغة:
قال
ابن فارس:(1)
الجيم والميم والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على تضامِّ الشيء.(2)
فالْجَمْعُ
ضَّمُّ المتفرِّقِ بتقريبِ بعضِهِ من بعضٍ، وَهُوَ خِلاَفُ التَّفْرِيقِ وَهُوَ
مَصْدَرُ جَمَعَ يَجْمَعُ مِنْ بَابِ مَنَعَ.(3)
يقال:
جَمَعْتُ الشَّيْءَ عَنْ تَفْرِقَةٍ أَجْمَعُهُ جَمْعًا وَأَجْمَعْـتُهُ،
وَجَمَّعْتُهُ بِالتَّثْقِيلِ مُبَالَغَةٌ فَاجْتَمَعَ وَاجْدَمَعَ.
ويقال
للمجموع (وهو الذي جُمِعَ من هاهنا وهاهنا، وإن لم يُجْعَل كالشيء الواحد): جَمْعٌ
وجميعٌ وجماعةٌ.(4)
وَيُقَالُ
أَجْمَعَ الْمَسِيرَ وَعَلَى الْمَسِيرِ - يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِالْحَرْفِ:
عَزَمَ عَلَيْهِ، وَحَقِيقَتُهُ جَمَعَ رَأْيَهُ عَلَيْهِ، وَمنهُ الْحَدِيثُ: مَنْ
لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ،(5)
أَيْ: مَنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ فَيَنْوِيه.
وَأَجْمَعُوا
عَلَى الأَمْرِ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ وَاسْتَجْمَعُوا
بِمَعْنَى تَجَمَّعُوا، وَاسْتَجْمَعَ السَّيْلُ اجْتَمَعَ مِنْ كُلِّ مَوْضِعٍ،
وَاسْتَجْمَعَتْ لِلْمَرْءِ أُمُورُهُ اجْتَمَعَ لَهُ مَا يُحِبُّهُ.
ويُقَالُ
رَجُلٌ مُجْتَمِعٌ إذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ؛ لأَنَّهُ وَقْتُ اجْتِمَاعِ الْقُوَى،
أَوْ لأَنَّ لِحْيَتَهُ اجْتَمَعَتْ.
وَالْجَمْعُ
الدَّقَلُ؛ لأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ مِنْ تَمْرِ خَمْسِينَ نَخْلَةً، وَقِيلَ:
كُلُّ لَوْنٍ مِنْ النَّخْلِ لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ فَهُوَ جَمْعٌ، ثُمَّ غَلَبَ
عَلَى التَّمْرِ الرَّدِيءِ، وَمِنْهُالْحَدِيثُ: " بِعْ الْجَمْعَ
بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا".(6)
وَالْجَمْعُ
أَيْضًا الْجَمَاعَةُ، تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ، وَيُجْمَعُ عَلَى جُمُوعٍ مِثْلُ
فَلْسٍ وَفُلُوسٍ.
وَجَمْعٌ
اسْمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ، إمَّا لأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ
بِهَا، وَإِمَّا لأَنَّ آدَمَ اجْتَمَعَ هُنَاكَ بِحَوَّاءَ وَازْدَلَفَ إلَيْهَا
أَيْ دَنَا.
والجمع:
مصدر قولك: جمعت الشيء، والجمع: المجتمعون، وجمعه: جموع، والجماعة والجميع
والْمَجْمَع والْمَجْمَعَةُ: كالجمع.
وفي
الحديث: له سَهْمُ جَمْعٍ،(7)
أي له سهمٌ من الخير جُمِعَ فيه حظَّانِ، وقيل: أراد بالجمع الجيشَ، أي: كسهمِ
الجيشِ من الغنيمة.(8)
وَالْمَجْمَعُ
- بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مِثْلُ الْمَطْلَعِ وَالْمَطْلِعِ - يُطْلَقُ
عَلَى الْجَمْعِ وَعَلَى مَوْضِعِ الاجْتِمَاعِ، وَالْجَمْعُ
الْمَجَامِعُ.
وفي
الحديث: بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ(9)
أَيْ
كَانَ كَلاَمُهُ r قَلِيلَ
الأَلْفَاظِ كَثِيرَ الْمَعَانِي.
وَحَمِدْتُ
اللهَ تعالى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ. أَيْ: بِكَلِمَاتٍ جَمَعَتْ أَنْوَاعَ
الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ عَلَى اللهِ تعالى.(10)
نستخلص
مِمَّا سبق أن الجمع يطلق في اللغة على عدة معان،(11)
هي:
1
- الْجَمْعُ هو ضم الأشياء المتفرقة بتقريب بعضها من بعض.
2
- الْجَمْعُ مصدر جَمَعَ الشَّيْءَ يجمعُه إذا كان متفرِّقًا فضَمَّ بعضَهُ إلى
بعضٍ.
3
- الْجَمْعُ: المجتمعون، تسمية بالمصدر، كالجماعة والجميع والْمَجْمَع
والْمَجْمَعَةُ.
4
- الْجَمْعُ: الجيش، كالجميع.
5
- جَمْعٌ: الْمُزْدَلِفَةُ، لأن الناس يجتمعون بِها، أو لأن آدم u اجتمع
هناك بحواء.
6
- الْجَمْعُ: الدَّقَل؛ لأَنَّهُ يُجْمَعُ وَيُخْلَطُ، وَقِيلَ هُوَ كُلُّ لَوْنٍ
مِنْ النَّخْلِ لاَ يُعْرَفُ اسْمُهُ، ثُمَّ غَلَبَ عَلَى
الرَّدِيءِ مِنَ التَّمْرِ.
جمع
القرآن عند علماء المسلمين:
ثم
إن علماء الشرع أطلقوا جمع القرآن(12)
على أربعة معانٍ، وهي:
1
- حفظ القرآن في الصدور.
2
- تأليف سور القرآن الكريم.
3
- تأليف الآيات في السورة الواحدة من القرآن الكريم.
4
- كتابة القرآن الكريم في الصحف والمصاحف.
أما
الإطلاق الأول فقد حصل في عصر النبي r، حيث
حفظ القرآنَ الكريمَ عن ظهر قلبٍ النبيُّ r وجمعٌ
من أصحابه y، ومنه
قوله U: }
إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {
:
عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ U:
} لاَ
تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ !
إِنَّ
عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ {،(13)
قَالَ: جَمْعُهُ لَكَ فِي صَدْرِكَ وَتَقْرَأَهُ.(14)
وعن
قَتَادَةُ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ t: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ r؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ
كَعْبٍ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو
زَيْدٍ.(15)
وأما
الإطلاقان الثاني والثالث، فقال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب
المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال
، وتعقيبها بالمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة رضي اله عنهم(16)
وأما الجمع الآخر، فضمُّ الآي بعضها إلى بعضٍ، وتعقيب القصة بالقصة، فذلك شيءٌ
تولاَّه رسول الله r،ـ(17)
كما أخبر به جبريل عن أمر ربه U .ـ(18)
وأما
الإطلاق الرابع، فيتضمن مرحلتين: الأولى جمع متَفَرِّقِهِ في صحفٍ، وهو ما حدث في
عصر الصِّدِّيق t، والثانية:
جمع تلك الصحف في مصحفٍ واحدٍ، وهو ما حدث في عصر عثمان بن عفان t.ـ(19)