---------------------------------
1-المرأة
=============
زعم البعض أن حجاب النساء نظام وضعه الإسلام فلم يكن له وجود في الجزيرة العربية ولا في غيرها قبل الدعوة المحمدية.
الجواب:
1- إن من يقرأ كتب العهد القديم وكتب الأناجيل يعلم بغير عناء كبير في البحث أن حجاب المرأة كان معروفًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم عليه السلام، وظل معروفًا بينهم في أيام أنبيائهم جميعًا، إلى ما بعد ظهور المسيحية، وتكررت الإشارة إلى البرقع في غير كتاب من كتب العهد القديم وكتب العهد الجديد.
ففي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التكوين عن (رفقة) أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت.
وفي النشيد الخامس من أناشيد سليمان تقول المرأة: أخبرني يا من تحبه نفسي، أين ترعى عند الظهيرة؟ ولماذا أكون كمقنعة عند قطعان أصحابك؟
وفي الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب.
وفي الإصحاح الثامن والثلاثين من سفر التكوين أيضًا أن تامار مضت وقعدت في بيت أبيها، ولما طال الزمان خلعت عنها ثياب ترملها وتغطت ببرقع وتلففت.
ويقول بولس الرسول في رسالته كورنثوس الأولى: “إن النقاب شرف للمرأة، وكانت المرأة عندهم تضع البرقع على وجهها حين تلتقي بالغرباء وتخلعه حين تنزوي في الدار بلباس الحداد.
فالكتب الدينية التي يقرؤها غير المسلمين قد ذكرت عن البراقع والعصائب مالم يذكره القرآن الكريم.
2- وكان الرومان يسنون القوانين التي تحرم على المرأة الظهور بالزينة في الطرقات قبل الميلاد بمائتي سنة، ومنها قانون عرف باسم “قانون أوبيا” يحرم عليها المغالاة بالزينة حتى في البيوت.
3- وأما في الجاهلية فنجد أن الأخبار الواردة في تستّر المرأة العربية موفورة كوفرة أخبار سفورها، وانتهاكُ سترها كان سببًا في اليوم الثاني من أيام حروب الفجار الأول؛ إذ إن شبابًا من قريش وبني كنانة رأوا امرأة جميلة وسيمة من بني عامر في سوق عكاظ، وسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فامتهنها أحدهم فاستغاثت بقومها.
وفي الشعر الجاهلي أشعار كثيرة تشير إلى حجاب المرأة العربية، يقول الربيع بن زياد العبسي بعد مقتل مالك بن زهير:
من كان مسرورًا بمقتل مالك *** فليـأت نسوتنا بوجه نهـار
يجد النسـاء حواسرًا يندبنه *** يلطمن أوجههن بالأسحـار
قد كن يخبأن الوجـوه تسترًا *** فاليوم حيـن برزن للنظـار
فالحالة العامّة لديهم أن النساء كن محجبات إلا في مثل هذه الحالة حيث فقدن صوابهن فكشفن الوجوه يلطمنها، لأن الفجيعة قد تنحرف بالمرأة عما اعتادت من تستر وقناع.
وقد ذكر الأصمعي أن المرأة كانت تلقي خمارها لحسنها وهي على عفة.
وكانت أغطية رؤوس النساء في الجاهلية متنوعة ولها أسماء شتى، منها:
الخمار: وهو ما تغطي به المرأة رأسها، يوضع على الرأس، ويلفّ على جزء من الوجه.
وقد ورد في شعر صخر يتحدث عن أخته الخنساء:
والله لا أمنحها شرارها *** ولو هلكت مزقت خمارها *** وجعلت من شعر صدارها
ولم يكن الخمار مقصورًا على العرب، وإنما كان شائعًا لدى الأمم القديمة في بابل وأشور وفارس والروم والهند.
النقاب: قال أبو عبيد: “النقاب عند العرب هو الذي يبدو منه محجر العين، ومعناه أن إبداءهن المحاجر محدث، إنما كان النقاب لاصقًا بالعين، وكانت تبدو إحدى العينين والأخرى مستوره”.
الوصواص: وهو النقاب على مارِن الأنف لا تظهر منه إلا العينان، وهو البرقع الصغير، ويسمّى الخنق، قال الشاعر:
يا ليتها قد لبست وصواصًا
البرقع: فيه خرقان للعين، وهو لنساء العرب، قال الشاعر:
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت فقد رابني منها الغداة سفورها
يقول البعض: إن عفة الفتاة حقيقة كامنة في ذاتها، وليست غطاء يلقى ويسدل على جسمها، وكم من فتاة محتجبة عن الرجال في ظاهرها وهي فاجرة في سلوكها، وكم من فتاة حاسرة الرأس كاشفة المفاتن لا يعرف السوء سبيلاً إلى نفسها ولا إلى سلوكها[15].
الجواب:
إن هذا صحيح، فما كان للثياب أن تنسج لصاحبها عفّة مفقودة، ولا أن تمنحه استقامة معدومة، وربَّ فاجرة سترت فجورها بمظهر سترها.
ولكن من هذا الذي زعم أن الله إنما شرع الحجاب لجسم المرأة ليخلق الطهارة في نفسها أو العفة في أخلاقها؟! ومن هذا الذي زعم أن الحجاب إنما شرعه الله ليكون إعلانًا بأن كل من لم تلتزمه فهي فاجرة تنحط في وادي الغواية مع الرجال؟!
إن الله عز وجل فرض الحجاب على المرأة محافظة على عفة الرجال الذين قد تقع أبصارهم عليها، وليس حفاظًا على عفتها من الأعين التي تراها فقط، ولئن كانت تشترك معهم هي الأخرى في هذه الفائدة في كثير من الأحيان إلا أن فائدتهم من ذلك أعظم وأخطر، وإلا فهل يقول عاقل تحت سلطان هذه الحجة المقلوبة: إن للفتاة أن تبرز عارية أمام الرجال كلهم ما دامت ليست في شك من قوة أخلاقها وصدق استقامتها؟!
إن بلاء الرجال بما تقع عليه أبصارهم من مغرياتِ النساء وفتنتهن هو المشكلة التي أحوجت المجتمعَ إلى حلّ، فكان في شرع الله ما تكفّل به على أفضل وجه، وبلاء الرجال إذا لم يجد في سبيله هذا الحلّ الإلهي ما من ريب سيتجاوز بالسوء إلى النساء أيضًا، ولا يغني عن الأمر شيئًا أن تعتصم المرأة المتبرجة عندئذ باستقامةٍ في سلوكها أو عفة في نفسها، فإن في ضرام ذلك البلاء الهائج في نفوس الرجال ما قد يتغلّب على كل استقامة أو عفة تتمتّع بها المرأة إذ تعرض من فنون إثارتها وفتنتها أمامهم
=======================================================
2- الحجر الأسود
====================
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فالأحاديث التي دلت على أن الحجر الأسود من الجنة مترددة بين الصحة والحسن، وهي على كل حال لم تبلغ درجة التواتر، فهي أحاديث آحاد ، وما دام لا يوجد ما يمنع تصديق هذه الأحاديث فلنصدقها، ومع ذلك فإن من لم يصدقها لا يخل ذلك بعقيدته، ولا يخرجه من الإيمان إلى الكفر، وسواء أكان الحجر من السماء أم لم يكن فإن الثابت أنه حجر مبارك قبله النبي -صلى الله عليه وسلم، وله منزلة خاصة في قلوب كل المسلمين .
وإليك تفصيل ذلك فيما ذكره الشيخ عطية صقر-رحمه الله-رئيس لجنة الإفتاء بالأزهر الشريف سابقاً:
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: “نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسودته خطايا بني آدم” رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، إلا أنه قال “أشد بياضًا من الثلج” وروى الطبراني في معجمه الأوسط ومعجمه الكبير مثله بإسناد حسن وكذلك البيهقي.
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: نزل الركن الأسود من السماء فوضع على أبي قبيس “جبل” كأنه مهاة بيضاء -أي بلورة- فمكث أربعين سنة ثم وضع على قواعد إبراهيم. رواه الطبراني في معجمه الكبير موقوفًا على عبد الله بن عمرو بإسناد صحيح، أي ليس مرفوعًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم.
وجاء في الروايات التاريخية أن إبراهيم -عليه السلام- طلب حجرًا مميزًا يضعه في البيت فجاءه به جبريل عليه السلام.
نأخذ من مجموع هذه الروايات أن الحجر الأسود من الجنة، وأنه كان أبيض فسودته خطايا بني آدم، لكن درجة الأحاديث مترددة بين الصحة والحسن، وهي على كل حال لم تبلغ درجة التواتر، فهي أحاديث آحاد. ولو كانت صحيحة فإن هناك خلافًا بين العلماء في إفادة حديث الآحاد الصحيح القطع والعلم اليقين.
وما دام لا يوجد ما يمنع تصديق هذه الأحاديث فلنصدقها، ومع ذلك فإن من لم يصدقها لا يخل ذلك بعقيدته، ولا يخرجه من الإيمان إلى الكفر.
هذا، وقد نشر في “الأهرام” الصادر في يوم الجمعة بتاريخ 8/10/1982م بقلم محمد عبده الحجاجي مدير إدارة بالمكتبة المركزية بجامعة القاهرة أن الحجر الأسود من السماء وسقوط الأحجار من السماء ظاهرة كونية معروفة ومؤكدة، وقد قام العالم البريطاني “ريتشار ديبرتون” برحلة إلى الحجاز متخفيًا في زي مغربي، مدعيًا أنه مسلم وكان يجيد اللغة العربية، واندس بين الحجاج واستطاع أن يحصل على قطعة من الحجر، وحملها معه إلى لندن، وبدأت تجاربه عليها في المعامل الجيولوجية، فتأكد أنه ليس حجرًا أرضيًا، بل هو من السماء، وسجل هذا في كتاب له بعنوان “الحج إلى مكة والمدينة” الذي صدر بالإنجليزية في لندن سنة 1856م.
وسواء أكان الحجر من السماء أم لم يكن فإن الثابت أنه حجر مبارك قبله النبي -صلى الله عليه وسلم- وثبت في البخاري ومسلم أن عمر -رضي الله عنه- قبله اقتداء بالرسول مقسمًا أنه لا يضر ولا ينفع، ورويت أحاديث غير قاطعة تدل على أن استلامه بمثابة عهد مع الله على الطاعة.
أما تقبيل الحجر الأسود فقد روى الحاكم وصححه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الحجر الأسود وبكى طويلا، ورآه عمر فبكى لما بكى، وقال “يا عمر هنا نسكب العبرات” وثبت أن عمر -رضي الله عنه- قال وهو يقبله: والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبلك ما قبلتك”. رواه البخاري ومسلم.
والتقبيل سنة عند الاستطاعة وبدون إضرار بالناس، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر “يا أبا حفص، إنك رجل قوي فلا تزاحم على الركن، فإنك تؤذي الضعيف، ولكن إذا وجدت خلوة فاستلم، وإلا فكبر وامض” رواه الشافعي في سنته.
وما هو السر في اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقبيله والبكاء عنده؟
قد يقال: إن ذلك من باب التشبه بتقبيل يد السادة والكبراء، والحجر -كما في بعض الروايات- يمين الله في الأرض يصافح بها عباده، فالتقبيل إعظام وإجلال لله -سبحانه- أو تعاهد معه على الطاعة والالتزام كما يحدث بين الناس في المبايعة والموالاة.
وقد يقال: إن الحجر هو الجزء الباقي بيقين من أحجار الكعبة التي بناها أبوه إبراهيم -عليه السلام- فالرسول يكرم هذا الأثر، ويتذكر به أصوله الأولى وما قاموا به من أمجاد وتضحيات هيأت لولادته وبعثته حول هذا الأثر الباقي وهو الكعبة.
وقد يقال: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقبله متذكرًا إكرام الله له وتهيئته من الصغر ليكون رسول هذه الأمة، حيث فصل في نزاع خطير بين القبائل من أجل نيل الشرف بوضع الحجر الأسود في مكانه عند تجديد بناء الكعبة قبل البعثة حيث ارتضوه -وهو الأمين- حكمًا في هذا النزاع، فأشركهم في حمله بثوب، ثم أخذه بيده ووضعه في مكانه، إنه شرف جدير بالاعتزاز به، يتذكره الرسول بعد سنوات طويلة ترك فيها مكة وحرمه أهلها من زيارة البيت، حتى مكنه الله منه بعد أن انتصر وعز، ورفع الله ذكره.
كل ذلك يمكن أن يكون حيثيات للاهتمام الزائد من النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا الحجر، مع العلم بأن تقبيل الحجر ليس عبادة له أبدًا، فالعبادة لله وحده، كما أن الطواف بالبيت ليس عبادة للبيت، بل لله -سبحانه- الذي أمر به في قوله {وليطوفوا بالبيت العتيق} [الحج: 29] وقال في امتنانه على قريش {فليعبدوا رب هذا البيت} [قريش: 3] فتقبيل الحجر ليس عبادة له، ولو كان فيه خطأ لم يقر الله رسوله عليه أبدًا، والله لا يقر أحدًا على شرك في عبادته.
وشعور عمر عند تقبيل الحجر هو شعور الموحد لله -سبحانه- والمقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن الاقتداء به مطلوب، وشعور الرسول بتقبيله هو أيضًا شعور الموحد لله -سبحانه- المعترف الشاكر لنعمه عليه وعلى أبيه إبراهيم -عليه السلام- وشعور المشتاق للجنة، فقد قيل: إن الحجر من الجنة وكان أبيض فسودته خطايا بني آدم، وإن لم يكن الخبر قطعي الثبوت كما قدمنا.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- بكل هذه المشاعر والأحاسيس يقبل الحجر الأسود، وهو في قمة التوحيد لله وإخلاص العبادة له سبحانه وتعالى .
والله أعلم و صلي الله و سلم علي نبينا محمد.
--------------------
3-ردّ ا على سورة القدر المزعومة في كتاب الفرقان الحق
===================================
نقف ضمن سلسلة دراساتنا البلاغية التي نتناول فيها بعض نصوص الكتاب المزعوم "الفرقان الحق " عند الآيات الثلاث في أوّل السورة التي حملت اسم " سورة القدر " . والاقتصار على هذه الآيات في دراسة السورة يرجع إلى أمرين :
أولهما : انقطاعها شكلاً ومعنى عما يليها من الآيات في النص ذاته .
ثانيهما: إن الآيات الثلاث في مطلع السورة محاولة ساذجة تهدف إلى تقليد سورة القدر في القرآن الكريم .
وإذا كنا نؤمن حتماً أنه لا مجال للمقارنة بين عظمة النص القرآني ، وسخافة الفرقان الشيطاني ، ولا يُعَدُّ هذا الأمر ( أي المقارنة ) هدفاً من أهداف هذه الدراسة، فإننا سنترك للقارئ بعد الوقوف على التحليل البلاغي لما سنعرضه أن يتبين اضطراب الصياغة اللغوية، وضعف البناء البياني الذي يختزنه النص في آياته الثلاث .
تقول الآيات الثلاث في مطلع سورة القدر من الفرقان المزعوم:
1- إنا أنزلناه في ومضة الفجر في ساعة القدر
2- نوراً للضالين وهدى للناس كافة في كل عصر
3- فرقان حق وحكم عدل وقول فصل في كل أمر
الساعة ستون ومضة :
يطلق على هذا النص اسم " سورة القدر " ويفترض ، انطلاقاً من هذه التسمية، أن يكون لهذا الاسم ( القدر ) شأناً مهماً ، أو دلالة مميزة ، جعلت منه عنواناً للنص وفاتحة للدخول إليه .
يبدأ النص بالحديث عن إنزال الفرقان الحقّ، ويحدد زمن نزوله على أنه ( في ومضة الفجر ) وهذه الـ ( في ) حرف جر يفيد الظرفية الزمانية أو المكانية .
فإذا استبعدنا احتمال أن تفيد هذه الـ (في) الظرفية المكانية في هذا السياق ، فهذا معناه أن الفرقان قد أنزل في ومضة الفجر زمانياً، وهو المقصود هنا. أي: كان إنزال الفرقان في وقت ومضة الفجر!! فما هذه الومضة ؟!
الومضة – لغوياً – من وَمَضَ : أي لمع ، والوميض : أن يومض البرق إيماضة ضعيفة ثم يخفى ثم يومض. ( لسان العرب م 7 / ص 252 ) ، إذا كان الومض لمعان يظهر ثم يختفي ، فما هي إذاً ومضة الفجر !؟ وهل للفجر ومضة !؟
إن ومضة الفجر حسب ما ورد في النص هي دلالة زمنية . وهي جزء من دلالة زمنية أوسع، أعني ( ساعة القدر ) أي أن ومضة الفجر تشكل جزءاً من أجزاء هذه الساعة ( ربما كانت الساعة تساوي ستين ومضة بتوقيت الفرقان الحق !!! ) ، فإذا كان هذا الفرقان قد أنزل في ومضة الفجر ( وليس للفجر ومضة ) وبهذا أي ( بنزول الفرقان) شُرِّفت هذه الومضة ، فأي شأن لساعة القدر في هذا الأمر ، وما دلالة ذكرها في هذا السياق، خصوصاً أن السورة أخذت اسمها من كلمة ( القدر ) .
ربما قيل : إن عظمة شأنها، وعلو مكانتها، إنما مصدره استيعاب هذه الساعة لومضة الفجر التي كان فيها إنزال الفرقان !!
في الرد نقول : الأمر الذي أريد تعظيمه هو إنزال الفرقان، والزمن الذي كان فيه هذا الإنزال – حسب ما ورد في النص – هو ومضة الفجر ( وهي دلالة زمنية ) فهذا الزمن هو الأولى بالتعظيم وبجعله اسماً للسورة ...
أمّا ساعة القدر فدلالة زمنية لا شرف لها بذاتها هنا ، بل جاء تعظيمها من كونها تستوعب الزمن الذي أريد تعظيمه وهو ( ومضة الفجر ) .
وإذا كان المقصود تعظيم الفرقان الحق دون أن يكون لزمن نزوله أهمية فإن ذكر ومضة الفجر وساعة القدر جاء فضلة زائدة في النص ولم يكن ثمة داعٍ لذكرهما ... فإلى أي الجانبين نميل !؟
ضلال ..!!
تبدأ الآية الثانية بالقول ( نوراً للضالين ) والحديث عن نزول الفرقان الحق، الذي جاء نوراً أي
( منوّراً ) والكلمة حال، جاءت اسماً جامداً بمعنى المشتق ...
لكنّ إنزال الفرقان – حسب ما جاء في النص – كان في ( ومضة الفجر ) والومضة كما بيّنا لمعان ثم اختفاء فهي التماع فيه ضوء شديد، والفجر نور أيضاً ...
فما الحاجة لوصف الفرقان بأنه نزل نوراً إن جاء في وقت الفجر بل في شدة التماعه ( حسب ما جاء في الآية ) .
نزل الفرقان (نوراً للضّالين) ومعنى ذلك أن بقية الناس ممن لا ينطوون تحت اسم ( الضالين ) هم مهتدون ، إذ الهدى عكس الضلال، وتأتي بعد ذلك عبارة ( وهدى للناس كافة ) ...
فما الحاجة في أن يكون الفرقان ( بعد أن جاء نوراً للضالين ) هدى للناس كافة ، وفي هؤلاء من لا يدخل في زمرة الضالين ، فهو مهتدٍ أصلاً .
أما إذا كان المقصود من عبارة ( هدى للناس كافة ) أن الناس كلهم في ضلال قبل نزول الفرقان، فإن هذا المعنى يغني عن ذكره العبارة السابقة: ( نوراً للضالين ) .
ترادف .. واجترار:
تبدأ الآية الثالثة بكلمة ( فرقانٌ ) هكذا بالرفع ، وهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره ( هو ) أو ما يعادلها. ومجيئها في حالة الرفع يؤكد انقطاعها عما قبلها إذا لم تأتِ في حالة النصب ... على أنها حال لإنزال الفرقان.
والآية الثالثة لا تعدو كونها جملاً مترادفة تتقاطع وتتلاقى في المعاني التي تحملها :
فرقان حق وحكم عدل وقول فصل
هذه الجمل الثلاث في وصف الكتاب المنزل جاءت متفقة من حيث المدلول الذي هو ( تمييز الحق من الباطل ) وإن اختلفت من حيث الصياغة ...
ففرقان: معناه يفرق بين حق وباطل.
وحُكمٌ عدل : معناه حكم قائم على إعلاء كلمة الحق، ودحض دعاوى الباطل.
وقول فصل : يعني أنه قول يبيّن حدود الحق وحدود الباطل ويفصل بينهما .
ومعنى هذا كله أنه يمكن الاستغناء عن هذا الترادف في المدلولات بإيراد إحدى الجمل الثلاث والاستغناء بها عن سواها في تأدية المعنى وإيصاله .
ثم إن من البلاغة أن تحذف واو العطف بين الجمل الثلاث ذلك أن إثباتها يقتضي تغاير المعطوف والمعطوف عليه فالأصل أن تأتي الواو بين الصفات المتباعدة المتناقضة في الظاهر، حيث يبعد في الذهن اجتماع هذه الصفات في ذات واحدة ، وفي الجمل المذكورة ليس ثمة ما يدل على تباعد الصفات أو تناقضها في الظاهر بل هي تتفق من حيث المعنى ووجود واحدة منها كاف ليدل على وجود الصفات الأخرى.
إشكالية
وتختتم هذه الآية بجملة: ( في كل أمر )، وهذه العبارة تفترض أن كل أمر (هكذا دون استثناء) يحتاجإلى فرقان حق ، وحكم عدل، وقول فصل . وهذا يفترض أساساً وجود إشكالية ما في كل أمر، تضطرنا إلى طلب الحكم والتفريق بين الحق والباطل. فهل كل أمر يحتاج فعلاً إلى ذلك !؟
أليس ثمة أمور متفق عليها ، أو مسلّمات نشترك في الإيمان بها على اختلاف آرائنا واتجاهاتنا وميولنا ، وهي بطبيعة الحال لا تحتاج إلى تحكيم أو فصل !! ؟؟
وبعد... فهذه هي سورة القدر ( والقدر: المنزلة)
اسم حمله عنوان السورة بوصفه دالاً لفظياً لا مدلول له، مرتبطاً بزمن لا غاية واضحة لذكره.
وتعظيم لفرقان جاء نوراً في وقت مشبع بالنور إلى حد الإبهار ( ومضة )
وترادف في المعاني، يكفي ذكر أحدها ليغني عن سواه، ويريح كاهل النص من فائض الكلمات، والدوران في فلك التقليد السطحي ومحاولة الصوغ الساذج ...
إنها سورة قدر لا قدر لها !!!
=============================================
الموضوع القادم بمشيئة الله هو ( يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم).
الفقير الي الله جيسس عبد الله
عدل سابقا من قبل jesus_abdallah في 26th أكتوبر 2009, 6:37 am عدل 3 مرات