السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في توقيت واحد تقريبا تقدم بعض غلاة المتطرفين الأقباط في المهجر من منظمة «الأقباط متحدون»، بشكى إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة يطلبون بحث مشاكل أقباط مصر زعموا فيها أنهم مضطهدون وهناك قيود علي بناء الكنائس كما يجري "أسلمة" فتياتهم المسيحيات بالقوة ، وفي الوقت ذاته أصدرت مجلة (فوربس) الاقتصادية المعنية بأغنى أغنياء العالم تقريرها الأخير في مارس الجاري 2006 والذي أكدت فيه تربع بعض أثرياء الأقباط في مصر علي قائمتها المليارديرات .
وفي الوقت الذي حدد فيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة يوم 20 مارس 2006 ، موعدا لمناقشة ما يسمي بمسألة اضطهاد الأقباط في مصر، بناء علي المذكرة المقدمة من عدلي أبادير (رئيس منظمة "الأقباط متحدون") ، الذي قد يعني مستقبلاً تدخل الأمم المتحدة – لأول مرة – في مناقشة مشاكل أقلية دينية في دولة عربية مسلمة ، كان تقرير (فوربس) الاقتصادي يلقي الأضواء علي "تميز" الأقباط في مصر وتربع اثنين منهم علي قائمة المليارديرات في الشرق الأوسط !!
فمن بين 29 ملياردير في منطقة الشرق الأوسط العام الماضي ( بلغوا 56 هذا العام ) ، جاء المصريان انسي ساويرس ونجله نجيب ساويرس ضمن قائمة أثرياء العالم، حيث جاء انسى في المرتبة 129 بثروة بلغت 4.8 مليار دولار، ونجيب في المرتبة 278 بثروة بلغت 2.6 مليار دولار .
ومع أن المذكرة التي قدمها عدلي أبادير يوسف للجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تزعم أن الأقباط مضطهدون ويخضعون إلى نظام الذمية، وأن السلطان العثماني أصدر عام 1856 ما يسمي بالخط الهمايوني، الذي كان يتطلب موافقة منه لبناء كنيسة جديدة ، وأن الأقباط لا يزالون يعانون من آثار هذا الخط الهمايوني ، كما أنه يتم اختطاف فتيات مسيحيات ، ورغم انتقاد أقباط مصريون لهذه المذكرة ونفي وجود اضطهاد ، فقد جاء تقرير فوربس ليكشف جانبا من الحقيقة التي تتمثل في أن أقباط مصر "متميزون" – علي الأقل اقتصاديا - وليسوا "مضطهدين" كما يشاع .
صحيح أن البابا شنودة بابا أقباط مصر سبق أن طالب في لقاءات جماهيرية سابقة بعضها في نادي ليونز القاهرة بالمساواة بين المسلمين والأقباط في مصر في مقاعد البرلمان والمناصب العليا ، واستغلت هذه التصريحات عشرات الجماعات القبطية في المهجر (أمريكا وكندا) وجماعات صهيونية أخرى لشن حملة جديدة علي الحكومة المصرية بدعوى التفرقة الدينية ومطالبة الكونجرس والحكومة الأمريكية للتدخل والضغط علي مصر لإجبارها علي تخصيص 50 مقعدا من مقاعد البرلمان (454) للأقباط الذين لا يزيد عددهم في البرلمان غالبا عن نسبة 0.5% من الأعضاء ( 3-5 أعضاء) ، ولكن الصحيح أيضاً أن السبب لا علاقة له بتفرقة دينية .
فهناك انتقادات مستمرة للأقلية القبطية بأنها لا تشارك في الانتخابات وتتميز بالسلبية مثل نسبة كبيرة من المصريين عموما ، وانتقادات لمطالبة بعضهم بفكرة التمثيل النسبي في الوظائف – التي سبق أن رفضها الزعماء الأقباط عام 1923 - علي اعتبار أنها تحول الأقباط إلي مجرد "أقلية" لا شركاء في الوطن والمواطنة ، ومعاملتهم علي هذا الأساس بدلاً من التعامل معهم وفق مفهوم "المواطنة الكاملة" .
وينفي مثقفون وكتاب مسلمون أن يكون هناك أي اضطهاد لأقباط مصر ، حتى أن د. محمد عمارة يؤكد في دراسة له عن النصارى في مصر ولقاء سابق مع قناة الجزيرة 31/10/2002 - أن أقباط مصر يملكون 40% من ثروة مصر رغم أنهم لا يشكلون 6% من السكان ، وأن بعض كبار رجال الكهنة في الكنيسة المصرية مثل "الأنبا موسى" أسقف الشباب في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ، لا ينفون هذا "التميز الاقتصادي" للأقباط في مصر كما يسميه .
ففي منطقة "بولاق أبو العلا" علي شاطئ نيل مصر قرب حي "روض الفرج" الشعبي - الذي يتحول تدريجيا إلى منطقة راقية بعد هدم العديد من مساكنه العشوائية وتحويلها لمناطق سياحية وفندقية - يقف برجان كبيران متجاوران يشبهان برجي مركز التجارة العالمي يضمان عشرات الطوابق وقبتان ذهبيتان تشبهان قبتي مسجد قبة الصخرة في القدس المحتلة ، وهذان البرجان ليسا سوى مقر لأحد شركات عائلة أنسي ساويرس أحد كبار أثرياء ومصر والعالم .
هذا الثراء الذي تتمتع به عائلة ساويرس يتمتع به مئات الأقباط المصريين الآخرين بحكم عملهم في المجال التجاري المتشعب ، وامتلاكهم أكبر الوكالات التجارية للشركات الأوروبية والأمريكية ، حيث يحظى بعضهم بمكانته المالية الكبيرة بجهده الخالص في ظل حالة التسامح الديني التي تبديها الحكومة المصرية والتي تصل لحد شكوى مسلمين من التضييق على الأغلبية المسلمة ذاتها كي لا يشكو الأقباط من الاضطهاد ، أو يحظى بهذه الوكالات التجارية في مجالات الاستيراد المختلفة بالتحايل حيث يصور البعض منهم أنفسهم في صورة المضطهدين دينيا كي يحظوا بهذه الامتيازات المالية !.
بل أن الكثير من كنائس الغرب خصوصا في ألمانيا وهولندا وأمريكا تخصص منح دراسية ووظائف جيدة في الغرب لأبناء النصارى تأثيرا بمزاعم تقولها منظمات مسيحية مصرية موجودة في المهجر تروج لاضطهاد مزعوم لنصارى مصر واعتداء الأمن عليهم واغتصاب الفتيات وإجبارهن على التحول للإسلام كما حدث في حالتي زوجتي كاهنين في ديسمبر 2004 تحولتا طوعاً إلى الإسلام ، أو طبيبتين تحولتا أيضاً إلى الإسلام في فبراير 2005، وسلمتهم أجهزة الأمن المصرية للكنسية بعد اندلاع مظاهرات في بعض الكنائس !
ورغم حالة التعتيم الإعلامي علي هذا النشاط الاقتصادي الكبير لنصارى مصر وحالة الثراء الفاحش التي يعيش فيه أغلبهم ( قرابة 5-6% من سكان مصر ولكن الكنيسة تقول 10% من السكان) ، إلا أن بعض الإحصاءات الدولية تكشف نماذج من هذا الثراء الفاحش ، فضلا عن أن متابعة الصفحات الاقتصادية تكشف أن قسماً كبيراً من الشركات الناجحة في البورصة المصرية أو الثرية هي شركات الأقباط ، لحد أن هناك عائلات قبطية معروفة بثرائها في هذا المجال .
وهذا التفوق الاقتصادي القبطي في مصر تشير إليه أرقام وإحصاءات أخرى رصدتها مصادر صحفية مصرية مختلفة منها دراسة لمجلة روز اليوسف في أواخر التسعينات تقول: إن الأقلية النصرانية في مصر - والتي تقل نسبتها في السكان عن 6%، والتي كان يصفها الشيخ محمد الغزالي -عليه رحمة الله- بأنها "أسعد أقلية في العالم" تملك من ثروة مصر ما بين 35% و40%! .
فهي تملك وتمثل : 22.5% من الشركات التي تأسست ما بين سنة 1974 وسنة 1995م - سنوات الانفتاح والمعونات الأمريكية، و20% من شركات المقاولات في مصر، و50% من المكاتب الاستشارية، و60% من الصيدليات، و45% من العيادات الطبية الخاصة، و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية وغرفة التجارة الألمانية، و60% من عضوية غرفة التجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين)، و20% من رجال الأعمال المصريين، و20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر، وأكثر من 20% من المستثمرين بمدينتي السادات والعاشر من رمضان، 15.9% من وظائف وزارة المالية المصرية، و25% من المهن الممتازة والمتميزة -الصيادلة، والأطباء، والمهندسين، والبيطريين، والمحامين .
وذلك فضلاً عن أن هذه الأقلية نادراً ما يعانى أحد منها من المشكلات التي تطحن سواد الأغلبية -البطالة، والأمية، وأزمات الزواج، والإسكان... الخ .
وعندما كشفت مجلة فوربس الاقتصادية الأمريكية التي تعني بالثروة والأثرياء في العالم أن ثروة عائلة ساويرس التي تعمل في مجال المقاولات والاتصالات وغيرها بلغت حوالي 7.4 مليار دولار ( قرابة 44 مليار جنيه مصري )، لم تكن هذه الحقيقة مفاجأة للكثيرين لأنه سبق أن اختارت المجلة عائلة ساويرس عدة مرات في قائمتها لأغني أغنياء العالم في سنوات سابقة .
ويرتبط هذا التفوق الاقتصادي القبطي في مصر بظاهرة (التكتلات العائلية) داخل السوق في مصر والتي تسيطر علي قطاعات كبيرة من السوق ، ويمتد نشاطها إلى أكثر من فرع ونشاط ، ومنها عائلات شهيرة بعضها قبطي والبعض الأخر مسلم مثل :
غبور ، ساويرس، أبوجازية، أبوستيت، أبوالفتوح ، الطويل وصبور وشتا وسعودي والمغربي وغيرهم كثيرون وتتفرع من الشركات الأصلية شركات أخري تهتم بالعمل في مجالات مختلفة يسيطر عليها الأبناء أو الأشقاء .
ووفقا لتقارير مصرية فقد بدأت حياة "أنسي ساويرس" الأب العملية في صعيد مصر حيث أسس شركة للمقاولات سرعان ما أصحبت من أهم الشركات عام 1950 واتسع نشاطها بشكل غير مسبوق حتى جاءت قوانين ثورة يوليو الاشتراكية (التأميم) عام 1961 لتقسم ظهر الشركة ، حيث جري في ذلك الحين تأميم الكثير من الشركات المصرية المملوكة لعائلات كبيرة وتحويل أصحابها إلى مجرد مديرين فيها ، وهو أمر عالجته الدراما في مسلسلات شهيرة مثل (الحلمية) وعائلة (البدري) الشهيرة .
وقد بدأ "نجيب" نشاطه بالحصول على التوكيلات الأجنبية ثم اتجه بنشاطه بعد ذلك إلى السكة الحديد ، وبدأ (سميح) الابن الثاني بالتوكيلات والآلات البحرية من الشركات الأجنبية ، وتلاه بمشروع كبير في مدينة الغردقة معروف باسم (قرية الجونة) الذي بدأ بمجموعة من الأكواخ الصيفية واتسع بعد ذلك ليصبح مدينة كاملة تضم 7 فنادق عالمية و350 فيلا تم بيع نصفها للايطاليين ونصفها الآخر للعرب والمصريين ، ومن اسم المدينة جاء تصنيع أنواع من البيرة تسمي (الجونة) أيضا .
أما الابن الثالث (ناصف) فدخل مع الأب عالم المقاولات حتي أصبح حجم استثمار شركة "أوراسكوم" للمقاولات في مصر من عام 1995 وحتى الآن إلى 900 مليون دولار أي حوالي ملياري جنيه مصري في أنشطة مثل مصنع للأسمدة ومصنعين للأسمنت وثالث للحديد والصلب وآخر للبويات، ومصنع للغازات الصناعية .
وقد امتد نشاط عائلة ساويرس للخارج ، حيث استطاعت شركة "موبينيل" التابعة لـ"أوراسكوم تليكوم" شراء حصة ضخمة من شركة "فاست لنك" في الأردن وشركة "أوراسكوم تليكوم" وتضم ما يقرب من 16 مجموعة وشركة وتتخصص في أعمال الاتصالات وخدمات وأنظمة الانترنت والكومبيوتر. كما وقعت شركة "أوراسكوم تليكوم" اتفاقاً لشراء 8 من شركة "تليسيل انترناشيونال" ـ كبرى شركات تقديم خدمات الاتصالات التليفونية المجموعة بنظام gsm في أفريقيا وذلك بعد صراع مع المجموعة لشركة "بيزاك" "الإسرائيلية". وقد قدرت هذه الصفقة بحوالي 413 مليون دولار.
كما تسعى مجموعة "ساويرس" للحصول على مشروعات تشييد وبناء مصانع في مجالات عديدة من خلال شركة "أوراسكوم للانشاء والصناعة" وقد نجحت الشركة بالفعل في الدخول في السوقين الفلسطينية والجزائرية وأنشأت الشركة بالفعل مصانع تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار في مجال الأسمنت .
بيزنس أقباط مصر نجح بالتالي في تحويل الأقلية إلى "أسعد أقلية في العالم" كما قال الشيخ الغزالي ، ولكن المشكلة أن بعض أصوات هذه الأقلية بدأت تتطلع إلى حجم ونفوذ سياسي أكبر من حجمها السكاني ، وبدأ بابا أقباط مصر شنوده يطالب بحصة من الوزراء الأقباط في مجلس الوزراء وحصة في البرلمان وفي المناصب الكبرى ، كما بدأت سياسة جديدة - ظهرت في مظاهرات بعض الأقباط الأخيرة – تنادي بالحماية الأمريكية ، بل و"الإسرائيلية" لأقباط مصر كنوع من الضغط علي الحكومة المصرية .
ويبقي السؤال بعد هذه الحقائق : هل أقباط مصر مضطهدون أم "متميزون" خصوصا في ظل التقارير الدولية (البنك الدولي) التي تؤكد أن نسبة المصريين الفقراء فقرا مدقعا وصلوا إلى 17% ؟!.
في توقيت واحد تقريبا تقدم بعض غلاة المتطرفين الأقباط في المهجر من منظمة «الأقباط متحدون»، بشكى إلي المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة يطلبون بحث مشاكل أقباط مصر زعموا فيها أنهم مضطهدون وهناك قيود علي بناء الكنائس كما يجري "أسلمة" فتياتهم المسيحيات بالقوة ، وفي الوقت ذاته أصدرت مجلة (فوربس) الاقتصادية المعنية بأغنى أغنياء العالم تقريرها الأخير في مارس الجاري 2006 والذي أكدت فيه تربع بعض أثرياء الأقباط في مصر علي قائمتها المليارديرات .
وفي الوقت الذي حدد فيه المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة يوم 20 مارس 2006 ، موعدا لمناقشة ما يسمي بمسألة اضطهاد الأقباط في مصر، بناء علي المذكرة المقدمة من عدلي أبادير (رئيس منظمة "الأقباط متحدون") ، الذي قد يعني مستقبلاً تدخل الأمم المتحدة – لأول مرة – في مناقشة مشاكل أقلية دينية في دولة عربية مسلمة ، كان تقرير (فوربس) الاقتصادي يلقي الأضواء علي "تميز" الأقباط في مصر وتربع اثنين منهم علي قائمة المليارديرات في الشرق الأوسط !!
فمن بين 29 ملياردير في منطقة الشرق الأوسط العام الماضي ( بلغوا 56 هذا العام ) ، جاء المصريان انسي ساويرس ونجله نجيب ساويرس ضمن قائمة أثرياء العالم، حيث جاء انسى في المرتبة 129 بثروة بلغت 4.8 مليار دولار، ونجيب في المرتبة 278 بثروة بلغت 2.6 مليار دولار .
ومع أن المذكرة التي قدمها عدلي أبادير يوسف للجنة الدولية لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة تزعم أن الأقباط مضطهدون ويخضعون إلى نظام الذمية، وأن السلطان العثماني أصدر عام 1856 ما يسمي بالخط الهمايوني، الذي كان يتطلب موافقة منه لبناء كنيسة جديدة ، وأن الأقباط لا يزالون يعانون من آثار هذا الخط الهمايوني ، كما أنه يتم اختطاف فتيات مسيحيات ، ورغم انتقاد أقباط مصريون لهذه المذكرة ونفي وجود اضطهاد ، فقد جاء تقرير فوربس ليكشف جانبا من الحقيقة التي تتمثل في أن أقباط مصر "متميزون" – علي الأقل اقتصاديا - وليسوا "مضطهدين" كما يشاع .
صحيح أن البابا شنودة بابا أقباط مصر سبق أن طالب في لقاءات جماهيرية سابقة بعضها في نادي ليونز القاهرة بالمساواة بين المسلمين والأقباط في مصر في مقاعد البرلمان والمناصب العليا ، واستغلت هذه التصريحات عشرات الجماعات القبطية في المهجر (أمريكا وكندا) وجماعات صهيونية أخرى لشن حملة جديدة علي الحكومة المصرية بدعوى التفرقة الدينية ومطالبة الكونجرس والحكومة الأمريكية للتدخل والضغط علي مصر لإجبارها علي تخصيص 50 مقعدا من مقاعد البرلمان (454) للأقباط الذين لا يزيد عددهم في البرلمان غالبا عن نسبة 0.5% من الأعضاء ( 3-5 أعضاء) ، ولكن الصحيح أيضاً أن السبب لا علاقة له بتفرقة دينية .
فهناك انتقادات مستمرة للأقلية القبطية بأنها لا تشارك في الانتخابات وتتميز بالسلبية مثل نسبة كبيرة من المصريين عموما ، وانتقادات لمطالبة بعضهم بفكرة التمثيل النسبي في الوظائف – التي سبق أن رفضها الزعماء الأقباط عام 1923 - علي اعتبار أنها تحول الأقباط إلي مجرد "أقلية" لا شركاء في الوطن والمواطنة ، ومعاملتهم علي هذا الأساس بدلاً من التعامل معهم وفق مفهوم "المواطنة الكاملة" .
وينفي مثقفون وكتاب مسلمون أن يكون هناك أي اضطهاد لأقباط مصر ، حتى أن د. محمد عمارة يؤكد في دراسة له عن النصارى في مصر ولقاء سابق مع قناة الجزيرة 31/10/2002 - أن أقباط مصر يملكون 40% من ثروة مصر رغم أنهم لا يشكلون 6% من السكان ، وأن بعض كبار رجال الكهنة في الكنيسة المصرية مثل "الأنبا موسى" أسقف الشباب في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية ، لا ينفون هذا "التميز الاقتصادي" للأقباط في مصر كما يسميه .
ففي منطقة "بولاق أبو العلا" علي شاطئ نيل مصر قرب حي "روض الفرج" الشعبي - الذي يتحول تدريجيا إلى منطقة راقية بعد هدم العديد من مساكنه العشوائية وتحويلها لمناطق سياحية وفندقية - يقف برجان كبيران متجاوران يشبهان برجي مركز التجارة العالمي يضمان عشرات الطوابق وقبتان ذهبيتان تشبهان قبتي مسجد قبة الصخرة في القدس المحتلة ، وهذان البرجان ليسا سوى مقر لأحد شركات عائلة أنسي ساويرس أحد كبار أثرياء ومصر والعالم .
هذا الثراء الذي تتمتع به عائلة ساويرس يتمتع به مئات الأقباط المصريين الآخرين بحكم عملهم في المجال التجاري المتشعب ، وامتلاكهم أكبر الوكالات التجارية للشركات الأوروبية والأمريكية ، حيث يحظى بعضهم بمكانته المالية الكبيرة بجهده الخالص في ظل حالة التسامح الديني التي تبديها الحكومة المصرية والتي تصل لحد شكوى مسلمين من التضييق على الأغلبية المسلمة ذاتها كي لا يشكو الأقباط من الاضطهاد ، أو يحظى بهذه الوكالات التجارية في مجالات الاستيراد المختلفة بالتحايل حيث يصور البعض منهم أنفسهم في صورة المضطهدين دينيا كي يحظوا بهذه الامتيازات المالية !.
بل أن الكثير من كنائس الغرب خصوصا في ألمانيا وهولندا وأمريكا تخصص منح دراسية ووظائف جيدة في الغرب لأبناء النصارى تأثيرا بمزاعم تقولها منظمات مسيحية مصرية موجودة في المهجر تروج لاضطهاد مزعوم لنصارى مصر واعتداء الأمن عليهم واغتصاب الفتيات وإجبارهن على التحول للإسلام كما حدث في حالتي زوجتي كاهنين في ديسمبر 2004 تحولتا طوعاً إلى الإسلام ، أو طبيبتين تحولتا أيضاً إلى الإسلام في فبراير 2005، وسلمتهم أجهزة الأمن المصرية للكنسية بعد اندلاع مظاهرات في بعض الكنائس !
ورغم حالة التعتيم الإعلامي علي هذا النشاط الاقتصادي الكبير لنصارى مصر وحالة الثراء الفاحش التي يعيش فيه أغلبهم ( قرابة 5-6% من سكان مصر ولكن الكنيسة تقول 10% من السكان) ، إلا أن بعض الإحصاءات الدولية تكشف نماذج من هذا الثراء الفاحش ، فضلا عن أن متابعة الصفحات الاقتصادية تكشف أن قسماً كبيراً من الشركات الناجحة في البورصة المصرية أو الثرية هي شركات الأقباط ، لحد أن هناك عائلات قبطية معروفة بثرائها في هذا المجال .
وهذا التفوق الاقتصادي القبطي في مصر تشير إليه أرقام وإحصاءات أخرى رصدتها مصادر صحفية مصرية مختلفة منها دراسة لمجلة روز اليوسف في أواخر التسعينات تقول: إن الأقلية النصرانية في مصر - والتي تقل نسبتها في السكان عن 6%، والتي كان يصفها الشيخ محمد الغزالي -عليه رحمة الله- بأنها "أسعد أقلية في العالم" تملك من ثروة مصر ما بين 35% و40%! .
فهي تملك وتمثل : 22.5% من الشركات التي تأسست ما بين سنة 1974 وسنة 1995م - سنوات الانفتاح والمعونات الأمريكية، و20% من شركات المقاولات في مصر، و50% من المكاتب الاستشارية، و60% من الصيدليات، و45% من العيادات الطبية الخاصة، و35% من عضوية غرفة التجارة الأمريكية وغرفة التجارة الألمانية، و60% من عضوية غرفة التجارة الفرنسية (منتدى رجال الأعمال المصريين والفرنسيين)، و20% من رجال الأعمال المصريين، و20% من وظائف المديرين بقطاعات النشاط الاقتصادي بمصر، وأكثر من 20% من المستثمرين بمدينتي السادات والعاشر من رمضان، 15.9% من وظائف وزارة المالية المصرية، و25% من المهن الممتازة والمتميزة -الصيادلة، والأطباء، والمهندسين، والبيطريين، والمحامين .
وذلك فضلاً عن أن هذه الأقلية نادراً ما يعانى أحد منها من المشكلات التي تطحن سواد الأغلبية -البطالة، والأمية، وأزمات الزواج، والإسكان... الخ .
وعندما كشفت مجلة فوربس الاقتصادية الأمريكية التي تعني بالثروة والأثرياء في العالم أن ثروة عائلة ساويرس التي تعمل في مجال المقاولات والاتصالات وغيرها بلغت حوالي 7.4 مليار دولار ( قرابة 44 مليار جنيه مصري )، لم تكن هذه الحقيقة مفاجأة للكثيرين لأنه سبق أن اختارت المجلة عائلة ساويرس عدة مرات في قائمتها لأغني أغنياء العالم في سنوات سابقة .
ويرتبط هذا التفوق الاقتصادي القبطي في مصر بظاهرة (التكتلات العائلية) داخل السوق في مصر والتي تسيطر علي قطاعات كبيرة من السوق ، ويمتد نشاطها إلى أكثر من فرع ونشاط ، ومنها عائلات شهيرة بعضها قبطي والبعض الأخر مسلم مثل :
غبور ، ساويرس، أبوجازية، أبوستيت، أبوالفتوح ، الطويل وصبور وشتا وسعودي والمغربي وغيرهم كثيرون وتتفرع من الشركات الأصلية شركات أخري تهتم بالعمل في مجالات مختلفة يسيطر عليها الأبناء أو الأشقاء .
ووفقا لتقارير مصرية فقد بدأت حياة "أنسي ساويرس" الأب العملية في صعيد مصر حيث أسس شركة للمقاولات سرعان ما أصحبت من أهم الشركات عام 1950 واتسع نشاطها بشكل غير مسبوق حتى جاءت قوانين ثورة يوليو الاشتراكية (التأميم) عام 1961 لتقسم ظهر الشركة ، حيث جري في ذلك الحين تأميم الكثير من الشركات المصرية المملوكة لعائلات كبيرة وتحويل أصحابها إلى مجرد مديرين فيها ، وهو أمر عالجته الدراما في مسلسلات شهيرة مثل (الحلمية) وعائلة (البدري) الشهيرة .
وقد بدأ "نجيب" نشاطه بالحصول على التوكيلات الأجنبية ثم اتجه بنشاطه بعد ذلك إلى السكة الحديد ، وبدأ (سميح) الابن الثاني بالتوكيلات والآلات البحرية من الشركات الأجنبية ، وتلاه بمشروع كبير في مدينة الغردقة معروف باسم (قرية الجونة) الذي بدأ بمجموعة من الأكواخ الصيفية واتسع بعد ذلك ليصبح مدينة كاملة تضم 7 فنادق عالمية و350 فيلا تم بيع نصفها للايطاليين ونصفها الآخر للعرب والمصريين ، ومن اسم المدينة جاء تصنيع أنواع من البيرة تسمي (الجونة) أيضا .
أما الابن الثالث (ناصف) فدخل مع الأب عالم المقاولات حتي أصبح حجم استثمار شركة "أوراسكوم" للمقاولات في مصر من عام 1995 وحتى الآن إلى 900 مليون دولار أي حوالي ملياري جنيه مصري في أنشطة مثل مصنع للأسمدة ومصنعين للأسمنت وثالث للحديد والصلب وآخر للبويات، ومصنع للغازات الصناعية .
وقد امتد نشاط عائلة ساويرس للخارج ، حيث استطاعت شركة "موبينيل" التابعة لـ"أوراسكوم تليكوم" شراء حصة ضخمة من شركة "فاست لنك" في الأردن وشركة "أوراسكوم تليكوم" وتضم ما يقرب من 16 مجموعة وشركة وتتخصص في أعمال الاتصالات وخدمات وأنظمة الانترنت والكومبيوتر. كما وقعت شركة "أوراسكوم تليكوم" اتفاقاً لشراء 8 من شركة "تليسيل انترناشيونال" ـ كبرى شركات تقديم خدمات الاتصالات التليفونية المجموعة بنظام gsm في أفريقيا وذلك بعد صراع مع المجموعة لشركة "بيزاك" "الإسرائيلية". وقد قدرت هذه الصفقة بحوالي 413 مليون دولار.
كما تسعى مجموعة "ساويرس" للحصول على مشروعات تشييد وبناء مصانع في مجالات عديدة من خلال شركة "أوراسكوم للانشاء والصناعة" وقد نجحت الشركة بالفعل في الدخول في السوقين الفلسطينية والجزائرية وأنشأت الشركة بالفعل مصانع تصل قيمتها إلى 200 مليون دولار في مجال الأسمنت .
بيزنس أقباط مصر نجح بالتالي في تحويل الأقلية إلى "أسعد أقلية في العالم" كما قال الشيخ الغزالي ، ولكن المشكلة أن بعض أصوات هذه الأقلية بدأت تتطلع إلى حجم ونفوذ سياسي أكبر من حجمها السكاني ، وبدأ بابا أقباط مصر شنوده يطالب بحصة من الوزراء الأقباط في مجلس الوزراء وحصة في البرلمان وفي المناصب الكبرى ، كما بدأت سياسة جديدة - ظهرت في مظاهرات بعض الأقباط الأخيرة – تنادي بالحماية الأمريكية ، بل و"الإسرائيلية" لأقباط مصر كنوع من الضغط علي الحكومة المصرية .
ويبقي السؤال بعد هذه الحقائق : هل أقباط مصر مضطهدون أم "متميزون" خصوصا في ظل التقارير الدولية (البنك الدولي) التي تؤكد أن نسبة المصريين الفقراء فقرا مدقعا وصلوا إلى 17% ؟!.