الدين الإسلامي هو الدين الذي اختاره الله تعالى من بين الأديان ليكون في أعلى مقام القبول والعزة. وهو الكتاب المبين الذي نزل على أشرف الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لهداية الناس. ولقد حدد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته بقوله: « إنما بُعثت لأتمم مكاركم الأخلاق » (مالك).
فالدين الإسلامي يتصف بأرقى منازل الأدب، ووضع لنا أحكام وأوامر لنرقى باتباعها. ولقد اخترت موضوع تنمية الجانب الأخلاقي في الطفل لشعوري بأهمية هذا الموضوع في وقتنا الحالي. ففي هذه الفترة بالذات يجب على كل مسلم القيام بواجبه لمجاهدة أهل الزيغ والضلال والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا نقف متفرجين على أعمالهم ومخططاتهم دون أن يحرك ذلك ساكناً في قلوبنا وأعمالنا!
إن العالم الآن في ثورة علمية وتكنولوجية، والطالب يبحث عن أي شيء لملء وقت فراغه وكل شيء يمكن الحصول عليه بمجرد الضغط على زرالكمبيوتر، فهذا العالم لا يزال عالماً مجهولاً للغالبية العظمى، وإن عرفوه اقتصرت معرفتهم على الألعاب أو الطباعة أو الدردشة.. إن لم نقل "معاكسة" في برامج المحادثة الحيّة.
فالأمة في عصرنا الحالي بحاجة كبيرة للرجوع إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة وتطبيقهما في حياتهم وحياة أبنائهم، ولتنمية هؤلاء الأبناء على الأصول والشرائع الإسلامية الصحيحة فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على ذلك لسلامة بناءهذه الأمة والابتعاد عن مباديء العولمة عند التعامل مع الطفل المسلم.
إن التربية الصحيحة لا تبدأ في سن معين للطفل بل تبدأ قبل ولادته، وهي باختيار شريك أو شريكة الحياة المتحلين بالأخلاق الإسلامية الرفيعة. ثم تتطور إلى المعاملة الحسنة بين الطرفين واتباع الشريعة الإسلامية وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في المعاملات الاجتماعية. وهذا ما نعتبره فترة التمهيد لتربية الطفل.
فلا نغفل للحظة عن أهمية حسن المعاملة بين الوالدين وما لها من تأثير على تربية الطفل حيث هما القدوة الحسنة والمثال الأعلى للطفل وهما أول ما يعي الطفل عليه. ثم هنالك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذا العامل وهي تقديم اسم الله للمولود بمجرد الأذان في أذنه وذلك لإبعاد الشيطان عنه، هنا تكون دعوته لله سابقة على دعوة الشيطان. ثم تبدأ علاقة هذا الطفل الاجتماعية مع والديه حيث لا حول ولا قوة له، ويكون اعتماده الكلي عليهما في إطعامه (الإرضاع) ونظافته وتدفئته وكل ذلك يولِّد شعور الطمأنينة في الطفل وبالتالي يتولد شعور الحب والثقة لديه.
الإسلام سبق كل الحضارات عندما وضع قواعد وأسس نظرية في تربية الطفل، تلك النظرية أثبتت التجارب والوقائع نجاحها ونبل غايتها، وعلينا دائماً أن نحرص على أن تتركز تربية الطفل على التوازن بين حقوق هذا الطفل وواجباته. وذلك يتم تدريجياً مع مراحل نموه حتى يصل إلى مرحلة المسؤولية الكاملة، وعندما يصل إلى سن التكليف الشرعية الإسلامية والتي تشتمل على مراحل متعددة لرعاية الطفل بدءاً من اختيار الزوجة، والمرور بمراحل الحمل والولادة ثم التمييز فالبلوغ. ولايوجد مقابل لمراحل الرعاية في أي بحوث أو دراسات أجنبية والتي اقتصرت على تعريف الطفل بأنه كل إنسان لا يتجاوز الثمانية عشرة، وهنا تظهر عظمة الإسلام وعنايته بالطفل والتي لم ولن نجد لها بديلاً أو مثيلاً. فالنظريات التربوية الإسلامية تحتوي على مراحل عديدة، فهي تبدأ في مرحلة الإعداد والتهيئة ثم التطبيق. فالتربية النبوية الإسلامية هي جهد إسلامي يمثل نوعاً من المعرفة الجنينية حتى نهاية مرحلة الشباب.
ولعل ذكر التفسير اللغوي لكلمة "الأخلاق" يكشف عن مفهومها في عصر ما قبل الإسلام، لأن الإسلام أعطى لها قيمة جديدة، وجعل معناها أكثر شمولاً وتحديداً عما كانت عليه من قبل. والخُلُق: الخليقة أي الطبيعة، وفي التنزيل {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [سورة القلم:4]، والجمع: أخلاق، والخلق: السجية أو الطبع، وفي الحديث: « ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة » (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي). والخلق: بضم اللام أو سكونها وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنية، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، فالخلق يعتبر هيئة راسخة، لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه، وكذلك من تكلف السكوت عند الغضب بجهد أو روية لا يقال خلقه الحلم، وليس الخلق عبارة عن الفعل، فرُبَّ شخص خلقه السخاء ولا يبذل إما لفقد مال، أو لمانع وربما يكون خلقه البخل وهو يبذل للرياء. وقد عبَّر الشعراء في صدر الإسلام عن ارتباط الأخلاق بالدين، وأكدوا أن تعاليم هذا الدين تسمو بالنفس الإنسانية الدنية، وتحث المسلمين على الخير.
ولاشك بأن فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية، ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة في الآخرة، فالتخلي عن الأخلاق الرذيلة والتحلي بالأخلاق الفضيلة من أهم الواجبات للوصول إلى الحياة الحقيقية، فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق. {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72).
فكما متفق عليه أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا. وفي صلاحهم قرة عين للوالدين. وفساد التربية وضعف الإيمان يهلك الآباء والأبناء والعياذ بالله. ولما كان الإثم الأكبر والمسؤولية العظمى على عاتق الوالدين، فعلى الوالدين أن يحملوا الأمانة كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » (صحيح البخاري).
فالإسلام يتضمن تغطية شاملة لحقوق الطفل، وما يحتاج إليه منذ كونه جنيناً حتى بلوغ مرحلة الرشد، وأن الإسلام جاء موافقاً للطبيعة النفسية للطفل من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تعتبر قدوة لأحدث التوجيهات التربوية المعاصرة، وهي التعليم عن طريق المداعبة واللعب. فحقوق الطفل المسلم تبدأ قبل الزواج وذلك بحسن اختيار الشريك المناسب حيث يكتسب الطفل الصفات الوراثية من والديه. وللطفل الحق على والديه أن يتحملا مسؤوليتهما المشتركة بحسن تربيته بصورة قويمة، واجتناب السلوكيات والعادات السيئة والضارة والتدرج في منحه الحرية وفقاً لتطوره العقلي والعمري.
ومن حقوق الطفل على والديه أيضاً، أن يكونا القدوة الحسنة له ليأمنا وليأمن من عذاب النار. والله عز وجل يقول في محكم التنزيل { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6].
فبما أن الطفل يخلق على الفطرة الخالصة والطبع البسيط، فإذا اجتهد الآباء على تثبيت الخلق الحسن ونقش الطباع الحسنة فيه فلقد نجحوا في إعداد هذا الطفل لخوض معركة الحياة، وإن تجاهلوا ذلك فهنالك من سيتولى رعاية هذا الطفل على طرق ربما لاترضي الله تعالى. ولنتذكر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لإن يؤدب الرجل ولده، خير من أن يتصدق بصاع » . فتنشئة الطفل على الخير والصلاح ليكون للوالدين ذخراً بعد موتهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط الصلاح في الابن كما في الحديث الشريف: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... » (صحيح مسلم). وذكر منها "أو ولد صالح يدعو له". ومن نشأ وورث الخلق الحسن جمع بين خيري الدنيا والآخرة.
الأسس التي تساعد الآباء على تنمية الجانب الأخلاقي في الأبناء
- الأساس الأول: خلق الأدب:
إن عناصر الأدب تحتوي على فروع متعددة وكل فرع منها لا ينقص أهمية عن الآخر. ومن النظر إلى الفروع التالية سنجدها مترابطة ببعضها البعض وهي تعتبر من العناصر المهمة للمعاملة مع الآخرين. عن الحافظ ابن حجر فإن كلمة الأدب مؤخوذة من المأدبة لأنه يدعى إليه (فتح الباري). ومن المتعارف عليه أن الأدب هو عبارة عن حسن المعاشرة والمعاملة مع الآخرين ويعتبر من أولويات التربية الخلقية. فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه أهمية كبرى حتى جعل غرسه في الطفل وتعوده عليه ليصبح طبيعة من طبائعه الخلقية. فإذا تهاون الآباء في هذا الأمر فستكون العاقبة شديدة على الطفل والآباء، فعاقبته في الدنيا والآخرة. إن الطفل الذي يكتسب الأدب الصالح يفوز بالتفكير الجيد والعادات الحسنة والعمل الصالح ورضا الله، فأما الطفل الذي يكتسب الأدب السيء يفسد عقله وعاداته وطبعه وعمله وبالتالي يكون قد أغضب الخالق وبذلك ينزل عليه السخط والذل الدائم. قال بعض السلف لابنه: "يابني لأن تتعلم باباً من الأدب، أحب إليَّ من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم" وقال أبو زكريا العنبري: "علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كروح بلا جسم" (عن أدب الإملاء والإستملاء، وكتاب الجامع - للخطيب البغدادي).
أنواع الأدب...
الأول - مع الوالدين
خطاب الوالدين
الأب والأم هما المثل الأعلى للأطفال، والطفل بطبيعته يحب التقليد، فكثيراً ما نرى الطفلة تقلد أمها في لباسها أو طفلاً يقلد أباه في جلسته. فكيف لهذا الطفل أن ينشأ على احترام والديه وحسن معاملتهم إن لم يكن هؤلاء الآباء قدوة حسنة له. فعلى المربي التحلي بالخلق الحسن والأدب في معاملته لطفله ليستطيع أن يغرس هذه الصفة بطفله. وعلينا أن نتكلل بالأخلاق الكريمة الصالحة؛ فالصغير ينشأ على ما كان عليه والديه. فإذا كان المربي يتقي الله ويحرص دائماً على الإحسان والتحلي بالصبر والمسؤولية والعلم بشؤون دينه ودنياه فلسوف ينجح في إنشاء طفل صالح الخلق. فعلينا كمربين أن نحترم الطفل ونخاطبه بالأدب لنأمن بمخاطبة أبنائنا لنا بمثلما عوَّدناهم وأنشأناهم عليه.
وقوله تعالى حكاية عن لقمان ﴿يبُنَيَّ﴾ يدل أنه على المربي أن يختار الألفاظ المحببة والمشوقة لدى المتربي، وأن يشعره بأنه يحبه، وأنه لا ينصحه إلا من باب حبه الكثير، وأنه حتى لو تشدد معه فهو كالطبيب المعالج الذي تقتضي مصلحة مريضه أن يقوم باللازم، فالقرآن الكريم استعمل في البداية لفظ﴿يبُنَيَّ﴾الذي يدل على نداء المحبة والإشفاق وأن تصغير بني للتحبب ولبيان زيادة الحب والعطف، فعلى المربين والمعلمين أن لا يستعملوا الألفاظ الجارحة، أو حتى الألفاظ العادية، بل أن يتفننوا في استعمال الكلمات الجميلة الراقية التي تدل على الاحترام والمحبة والإشفاق.
وعليناعدم الاكتفاء بسرد الأشياء المجردة عن أدلتها وحكمها وأسبابها فقط، بل اللجوء إلى التعليل والبيان حيث لم يكتف لقمان الحكيم بمجرد النهي، بل بين السبب وأوضح العلة وشرح الحكمة فقال {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقال أيضاً {يبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ﴾ ثم علل ذلك بقوله ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقال أيضاً {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} ثم بين السبب بقوله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} ثم علل ذلك بقوله {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. وهذا منهج تربوي قوي، يدل على أنه يخاطب عقول الأولاد ولا يفرض عليهم المعلومات، بل نشرح لهم أسبابها وحكمها، فيكون ذلك أدعى للقبول [لقمان:17-19].
وهنالك ضرورة تعظيم المربي في نفوس المتربين، والنظرة إليهم نظرة تقدير واحترام، وذلك بأن يقدم المربي إلى المتربين بشكل يشعر فيه المتربون والمتعلمون بأن مربيهم له مكانة عظيمة. وهذه النظرة من المتربي إلى المربي لها دور كبير في قبول وصاياه وتقبل نصائحه، واحترام أقواله وآرائه، وهي تقتضي أن تعطي للمربين مكانة لائقة بهم، قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:13] يدل على ضرورة أن يجلس الأب مع ابنه دائماً للوعظ والتوجيه والتربية، وجملة {وَهُوَ يَعِظُهُ} تدل على الثبوت والدوام والاستقرار. فلا يصح أن يعلو صوت الطفل فوق صوت والديه أو أن يظهر ضيقاً من طلبهما، بل على الوالدين نصح أبنائهم باستعمال الأسلوب المرضي معهم.
النظر إلى الوالدين
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا نظر الوالد إلى ولده فسره، كان للولد عتق نسمة، قيل: يا رسول الله، وإن نظر إليه ثلاثمئة وستين نظرة؟ قال: الله أكبر.. » إسناده حسن قاله الهيثمي (8/156). وكل ما أوضحنا سابقاً يبين لنا تعظيم مكانة الوالدين، فعلينا أن نحرص شديد الحرص على تنمية وغرس هذه القيم في أولادنا. ولن نستطيع أن نحقق ذلك إلا إذا كنا قدوة حسنة لهم في معاملتنا مع أبائنا وكبار السن في مجتمعنا. فبغرس أدب احترام الوالدين لدى الطفل نكون قد أعددناه لاحترام أفراد المجتمع كافة.
فالدين الإسلامي يتصف بأرقى منازل الأدب، ووضع لنا أحكام وأوامر لنرقى باتباعها. ولقد اخترت موضوع تنمية الجانب الأخلاقي في الطفل لشعوري بأهمية هذا الموضوع في وقتنا الحالي. ففي هذه الفترة بالذات يجب على كل مسلم القيام بواجبه لمجاهدة أهل الزيغ والضلال والعمل على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا نقف متفرجين على أعمالهم ومخططاتهم دون أن يحرك ذلك ساكناً في قلوبنا وأعمالنا!
إن العالم الآن في ثورة علمية وتكنولوجية، والطالب يبحث عن أي شيء لملء وقت فراغه وكل شيء يمكن الحصول عليه بمجرد الضغط على زرالكمبيوتر، فهذا العالم لا يزال عالماً مجهولاً للغالبية العظمى، وإن عرفوه اقتصرت معرفتهم على الألعاب أو الطباعة أو الدردشة.. إن لم نقل "معاكسة" في برامج المحادثة الحيّة.
فالأمة في عصرنا الحالي بحاجة كبيرة للرجوع إلى القرآن الكريم والسنة الشريفة وتطبيقهما في حياتهم وحياة أبنائهم، ولتنمية هؤلاء الأبناء على الأصول والشرائع الإسلامية الصحيحة فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على ذلك لسلامة بناءهذه الأمة والابتعاد عن مباديء العولمة عند التعامل مع الطفل المسلم.
إن التربية الصحيحة لا تبدأ في سن معين للطفل بل تبدأ قبل ولادته، وهي باختيار شريك أو شريكة الحياة المتحلين بالأخلاق الإسلامية الرفيعة. ثم تتطور إلى المعاملة الحسنة بين الطرفين واتباع الشريعة الإسلامية وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في المعاملات الاجتماعية. وهذا ما نعتبره فترة التمهيد لتربية الطفل.
فلا نغفل للحظة عن أهمية حسن المعاملة بين الوالدين وما لها من تأثير على تربية الطفل حيث هما القدوة الحسنة والمثال الأعلى للطفل وهما أول ما يعي الطفل عليه. ثم هنالك عوامل أخرى لا تقل أهمية عن هذا العامل وهي تقديم اسم الله للمولود بمجرد الأذان في أذنه وذلك لإبعاد الشيطان عنه، هنا تكون دعوته لله سابقة على دعوة الشيطان. ثم تبدأ علاقة هذا الطفل الاجتماعية مع والديه حيث لا حول ولا قوة له، ويكون اعتماده الكلي عليهما في إطعامه (الإرضاع) ونظافته وتدفئته وكل ذلك يولِّد شعور الطمأنينة في الطفل وبالتالي يتولد شعور الحب والثقة لديه.
الإسلام سبق كل الحضارات عندما وضع قواعد وأسس نظرية في تربية الطفل، تلك النظرية أثبتت التجارب والوقائع نجاحها ونبل غايتها، وعلينا دائماً أن نحرص على أن تتركز تربية الطفل على التوازن بين حقوق هذا الطفل وواجباته. وذلك يتم تدريجياً مع مراحل نموه حتى يصل إلى مرحلة المسؤولية الكاملة، وعندما يصل إلى سن التكليف الشرعية الإسلامية والتي تشتمل على مراحل متعددة لرعاية الطفل بدءاً من اختيار الزوجة، والمرور بمراحل الحمل والولادة ثم التمييز فالبلوغ. ولايوجد مقابل لمراحل الرعاية في أي بحوث أو دراسات أجنبية والتي اقتصرت على تعريف الطفل بأنه كل إنسان لا يتجاوز الثمانية عشرة، وهنا تظهر عظمة الإسلام وعنايته بالطفل والتي لم ولن نجد لها بديلاً أو مثيلاً. فالنظريات التربوية الإسلامية تحتوي على مراحل عديدة، فهي تبدأ في مرحلة الإعداد والتهيئة ثم التطبيق. فالتربية النبوية الإسلامية هي جهد إسلامي يمثل نوعاً من المعرفة الجنينية حتى نهاية مرحلة الشباب.
ولعل ذكر التفسير اللغوي لكلمة "الأخلاق" يكشف عن مفهومها في عصر ما قبل الإسلام، لأن الإسلام أعطى لها قيمة جديدة، وجعل معناها أكثر شمولاً وتحديداً عما كانت عليه من قبل. والخُلُق: الخليقة أي الطبيعة، وفي التنزيل {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم} [سورة القلم:4]، والجمع: أخلاق، والخلق: السجية أو الطبع، وفي الحديث: « ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة » (تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي). والخلق: بضم اللام أو سكونها وهو الدين والطبع والسجية، وحقيقته أنه لصورة الإنسان الباطنية، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة، فالخلق يعتبر هيئة راسخة، لأن من يصدر منه بذل المال على الندور بحالة عارضة لا يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه، وكذلك من تكلف السكوت عند الغضب بجهد أو روية لا يقال خلقه الحلم، وليس الخلق عبارة عن الفعل، فرُبَّ شخص خلقه السخاء ولا يبذل إما لفقد مال، أو لمانع وربما يكون خلقه البخل وهو يبذل للرياء. وقد عبَّر الشعراء في صدر الإسلام عن ارتباط الأخلاق بالدين، وأكدوا أن تعاليم هذا الدين تسمو بالنفس الإنسانية الدنية، وتحث المسلمين على الخير.
ولاشك بأن فضائل الأخلاق من المنجيات الموصلة إلى السعادة الأبدية، ورذائلها من المهلكات الموجبة للشقاوة في الآخرة، فالتخلي عن الأخلاق الرذيلة والتحلي بالأخلاق الفضيلة من أهم الواجبات للوصول إلى الحياة الحقيقية، فيجب على كل عاقل أن يجتهد في اكتساب فضائل الأخلاق. {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72).
فكما متفق عليه أن الأولاد هم زينة الحياة الدنيا. وفي صلاحهم قرة عين للوالدين. وفساد التربية وضعف الإيمان يهلك الآباء والأبناء والعياذ بالله. ولما كان الإثم الأكبر والمسؤولية العظمى على عاتق الوالدين، فعلى الوالدين أن يحملوا الأمانة كما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راع ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته » (صحيح البخاري).
فالإسلام يتضمن تغطية شاملة لحقوق الطفل، وما يحتاج إليه منذ كونه جنيناً حتى بلوغ مرحلة الرشد، وأن الإسلام جاء موافقاً للطبيعة النفسية للطفل من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تعتبر قدوة لأحدث التوجيهات التربوية المعاصرة، وهي التعليم عن طريق المداعبة واللعب. فحقوق الطفل المسلم تبدأ قبل الزواج وذلك بحسن اختيار الشريك المناسب حيث يكتسب الطفل الصفات الوراثية من والديه. وللطفل الحق على والديه أن يتحملا مسؤوليتهما المشتركة بحسن تربيته بصورة قويمة، واجتناب السلوكيات والعادات السيئة والضارة والتدرج في منحه الحرية وفقاً لتطوره العقلي والعمري.
ومن حقوق الطفل على والديه أيضاً، أن يكونا القدوة الحسنة له ليأمنا وليأمن من عذاب النار. والله عز وجل يقول في محكم التنزيل { يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } [التحريم:6].
فبما أن الطفل يخلق على الفطرة الخالصة والطبع البسيط، فإذا اجتهد الآباء على تثبيت الخلق الحسن ونقش الطباع الحسنة فيه فلقد نجحوا في إعداد هذا الطفل لخوض معركة الحياة، وإن تجاهلوا ذلك فهنالك من سيتولى رعاية هذا الطفل على طرق ربما لاترضي الله تعالى. ولنتذكر دائماً قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « لإن يؤدب الرجل ولده، خير من أن يتصدق بصاع » . فتنشئة الطفل على الخير والصلاح ليكون للوالدين ذخراً بعد موتهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط الصلاح في الابن كما في الحديث الشريف: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... » (صحيح مسلم). وذكر منها "أو ولد صالح يدعو له". ومن نشأ وورث الخلق الحسن جمع بين خيري الدنيا والآخرة.
الأسس التي تساعد الآباء على تنمية الجانب الأخلاقي في الأبناء
- الأساس الأول: خلق الأدب:
إن عناصر الأدب تحتوي على فروع متعددة وكل فرع منها لا ينقص أهمية عن الآخر. ومن النظر إلى الفروع التالية سنجدها مترابطة ببعضها البعض وهي تعتبر من العناصر المهمة للمعاملة مع الآخرين. عن الحافظ ابن حجر فإن كلمة الأدب مؤخوذة من المأدبة لأنه يدعى إليه (فتح الباري). ومن المتعارف عليه أن الأدب هو عبارة عن حسن المعاشرة والمعاملة مع الآخرين ويعتبر من أولويات التربية الخلقية. فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطاه أهمية كبرى حتى جعل غرسه في الطفل وتعوده عليه ليصبح طبيعة من طبائعه الخلقية. فإذا تهاون الآباء في هذا الأمر فستكون العاقبة شديدة على الطفل والآباء، فعاقبته في الدنيا والآخرة. إن الطفل الذي يكتسب الأدب الصالح يفوز بالتفكير الجيد والعادات الحسنة والعمل الصالح ورضا الله، فأما الطفل الذي يكتسب الأدب السيء يفسد عقله وعاداته وطبعه وعمله وبالتالي يكون قد أغضب الخالق وبذلك ينزل عليه السخط والذل الدائم. قال بعض السلف لابنه: "يابني لأن تتعلم باباً من الأدب، أحب إليَّ من أن تتعلم سبعين باباً من أبواب العلم" وقال أبو زكريا العنبري: "علم بلا أدب كنار بلا حطب، وأدب بلا علم كروح بلا جسم" (عن أدب الإملاء والإستملاء، وكتاب الجامع - للخطيب البغدادي).
أنواع الأدب...
الأول - مع الوالدين
خطاب الوالدين
الأب والأم هما المثل الأعلى للأطفال، والطفل بطبيعته يحب التقليد، فكثيراً ما نرى الطفلة تقلد أمها في لباسها أو طفلاً يقلد أباه في جلسته. فكيف لهذا الطفل أن ينشأ على احترام والديه وحسن معاملتهم إن لم يكن هؤلاء الآباء قدوة حسنة له. فعلى المربي التحلي بالخلق الحسن والأدب في معاملته لطفله ليستطيع أن يغرس هذه الصفة بطفله. وعلينا أن نتكلل بالأخلاق الكريمة الصالحة؛ فالصغير ينشأ على ما كان عليه والديه. فإذا كان المربي يتقي الله ويحرص دائماً على الإحسان والتحلي بالصبر والمسؤولية والعلم بشؤون دينه ودنياه فلسوف ينجح في إنشاء طفل صالح الخلق. فعلينا كمربين أن نحترم الطفل ونخاطبه بالأدب لنأمن بمخاطبة أبنائنا لنا بمثلما عوَّدناهم وأنشأناهم عليه.
وقوله تعالى حكاية عن لقمان ﴿يبُنَيَّ﴾ يدل أنه على المربي أن يختار الألفاظ المحببة والمشوقة لدى المتربي، وأن يشعره بأنه يحبه، وأنه لا ينصحه إلا من باب حبه الكثير، وأنه حتى لو تشدد معه فهو كالطبيب المعالج الذي تقتضي مصلحة مريضه أن يقوم باللازم، فالقرآن الكريم استعمل في البداية لفظ﴿يبُنَيَّ﴾الذي يدل على نداء المحبة والإشفاق وأن تصغير بني للتحبب ولبيان زيادة الحب والعطف، فعلى المربين والمعلمين أن لا يستعملوا الألفاظ الجارحة، أو حتى الألفاظ العادية، بل أن يتفننوا في استعمال الكلمات الجميلة الراقية التي تدل على الاحترام والمحبة والإشفاق.
وعليناعدم الاكتفاء بسرد الأشياء المجردة عن أدلتها وحكمها وأسبابها فقط، بل اللجوء إلى التعليل والبيان حيث لم يكتف لقمان الحكيم بمجرد النهي، بل بين السبب وأوضح العلة وشرح الحكمة فقال {لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقال أيضاً {يبُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَآ أَصَابَكَ﴾ ثم علل ذلك بقوله ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} وقال أيضاً {وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً} ثم بين السبب بقوله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ} ثم علل ذلك بقوله {إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. وهذا منهج تربوي قوي، يدل على أنه يخاطب عقول الأولاد ولا يفرض عليهم المعلومات، بل نشرح لهم أسبابها وحكمها، فيكون ذلك أدعى للقبول [لقمان:17-19].
وهنالك ضرورة تعظيم المربي في نفوس المتربين، والنظرة إليهم نظرة تقدير واحترام، وذلك بأن يقدم المربي إلى المتربين بشكل يشعر فيه المتربون والمتعلمون بأن مربيهم له مكانة عظيمة. وهذه النظرة من المتربي إلى المربي لها دور كبير في قبول وصاياه وتقبل نصائحه، واحترام أقواله وآرائه، وهي تقتضي أن تعطي للمربين مكانة لائقة بهم، قوله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} [لقمان:13] يدل على ضرورة أن يجلس الأب مع ابنه دائماً للوعظ والتوجيه والتربية، وجملة {وَهُوَ يَعِظُهُ} تدل على الثبوت والدوام والاستقرار. فلا يصح أن يعلو صوت الطفل فوق صوت والديه أو أن يظهر ضيقاً من طلبهما، بل على الوالدين نصح أبنائهم باستعمال الأسلوب المرضي معهم.
النظر إلى الوالدين
روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا نظر الوالد إلى ولده فسره، كان للولد عتق نسمة، قيل: يا رسول الله، وإن نظر إليه ثلاثمئة وستين نظرة؟ قال: الله أكبر.. » إسناده حسن قاله الهيثمي (8/156). وكل ما أوضحنا سابقاً يبين لنا تعظيم مكانة الوالدين، فعلينا أن نحرص شديد الحرص على تنمية وغرس هذه القيم في أولادنا. ولن نستطيع أن نحقق ذلك إلا إذا كنا قدوة حسنة لهم في معاملتنا مع أبائنا وكبار السن في مجتمعنا. فبغرس أدب احترام الوالدين لدى الطفل نكون قد أعددناه لاحترام أفراد المجتمع كافة.