ما الذي قدَّمه هذا الشاب مهراً للحورية ؟
كانت أم إبراهيم الهاشمية رحمها الله عابدة من عابدات البصرة وحدث ذات عام أن أغار الروم على ثغر من ثغور المسلمين فأنتدب الناس للجهاد في سبيل الله وقام العبد الصالح عبد الواحد بن زيد في الناس واعظاً وخطيباً ومحرضاً عن الجهاد , وكانت أم إبراهيم حاضرة في ذلك المجلس وطال حديثه وتشويقه للجهاد ثم شرع في وصف حور الجنان الحسان وجمالهنَّ وأطنب في ذلك وتوسع فماج الناس لذلك واضطربوا ..
واشتاقت النفوس إلى الجنان وتطلعت الأفئدة إلى الحور الحسان فوثبت أم إبراهيم من بين الجالسين وقالت لعبد الواحد : يا أبا عبيد الله ألست تعرف ولدي إبراهيم فإن أعيان أهل البصرة يخطبونه لبناتهم , وأنا أضني به عليهم .. فقد أعجبتني هذه الحورية التي ذكرت لنا أوصافها وأنا أرضاها زوجة لولدي إبراهيم فهل لك أنا تزوجُه منها وتأخذ مهرها عشرة آلاف دينار ويخرج معك في هذه الغزوة فلعل الله تعالى أن يرزقه الشهادة في سبيله فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة , فقال لها عبد الواحد بن زيد : لأن فعلت لتفوزن أنت وزوجك وولدك فوزاً عظيماً ..
فنادت ولدها إبراهيم من وسط الناس .. فقال لها لبيكِ يا أماه .. فقالت أي بني أرضيت بهذه الجارية زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله تعالى وترك العودة إلى الذنوب ..
فقال الفتى : أي والله يا أمي رضيت وأي رضا , فقالت : اللهم أني أشهدك أني قد زوجت ولدي هذا من هذه الحورية ببذل مهجته في سبيلك وترك العودة إلى الذنوب فتقبله مني يا أرحم الراحمين ..
ثم انصرفت فجاءت بعشرة آلا ف دينار ثم قالت : يا أبا عبيد الله هذه مهر الحورية تجهز به وجهّز به الغزاة في سبيل الله تعالى , ثم انصرفت فاشترت لولدها إبراهيم فرساً جيداً وسلاح ثقيلاً وخرج الجيش للقتال وهم يرددون قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) الآية ..
فلما أردت أم إبراهيم فراق ولدها دفعت إليه كفناً وحنوطاً وقالت له : أي بني إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن وتحنط بهذا الحنوط وإياك أن يراك الله تعالى مقصراً في سبيله ثم ضمته إلى صدرها وقبلت ما بين عينيه وقالت : لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة .
قال عبد الواحد : فلما واجهنا العدو برز ابنها إبراهيم في المقدمة فقتل من العدو خلقاً كثيراً ثم تجمعوا عليه فقتلوه فلما انتهت الغزوة ورجعنا إلى البصرة غانمين خرج الناس يتلقوننا ويستقبلوننا وخرجت أم إبراهيم فيمن خرج .. فلما أبصرتني قالت : يا أبا عبيد الله هل قُبلت مني هديتي فأهنئ ؟ أم رُدت علي فأعزى , فقلت لها : لقد قبلت هديتك وإن ولدك إبراهيم حيٌ مع الشهداء إن شاء الله تعالى , فخرَّت ساجدة لله تعالى ..
ثم قالت : الحمد الله الذي لم يخيب ظني وتقبل نسكي مني , فلما كان من الغد أتتني إلى المسجد فقالت : يا أبا عبيد بشراك .. بشراك ... فقلت لها ما زلتِ مبشرة بالخير فقالت : رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء وعليه قبة خضراء وهو على سرير من اللؤلؤ وعلى رأسه تاج وإكليل وهو يقول لي : يا أماه أبشري فقد قبل المهر وزفت العروس إلى عريسها .
وقفة : ـ
إن الجهاد في سبيل الله من أعظم الطاعات وأشرف القربات .. ولذلك فقد أصبح الباب العظيم الذي يشرف إليه خواص الأولياء فيعرجون من خلاله إلى ربهم المتعال حيث السعادة الأبدية , وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ..
ولقد خص الله تعالى الجهاد في سبيله بأجور عظيمة وهبات جسيمة وجعل المجاهدين في أعلى المنازل .. ومن هذه الفضائل :
- عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه ) سنن الترمذي .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها .. ولَقابُ قوس أحدكم أو موضع يده في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ولو أنِّ امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري
- وعن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( من غبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ) رواه البخاري .
أسأل الله أن يسخرني وإياكم لنصرة دينه وإعلاء كلمته .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم ..
المصدر ( كتاب جنان التائبين ) بتصرف
كانت أم إبراهيم الهاشمية رحمها الله عابدة من عابدات البصرة وحدث ذات عام أن أغار الروم على ثغر من ثغور المسلمين فأنتدب الناس للجهاد في سبيل الله وقام العبد الصالح عبد الواحد بن زيد في الناس واعظاً وخطيباً ومحرضاً عن الجهاد , وكانت أم إبراهيم حاضرة في ذلك المجلس وطال حديثه وتشويقه للجهاد ثم شرع في وصف حور الجنان الحسان وجمالهنَّ وأطنب في ذلك وتوسع فماج الناس لذلك واضطربوا ..
واشتاقت النفوس إلى الجنان وتطلعت الأفئدة إلى الحور الحسان فوثبت أم إبراهيم من بين الجالسين وقالت لعبد الواحد : يا أبا عبيد الله ألست تعرف ولدي إبراهيم فإن أعيان أهل البصرة يخطبونه لبناتهم , وأنا أضني به عليهم .. فقد أعجبتني هذه الحورية التي ذكرت لنا أوصافها وأنا أرضاها زوجة لولدي إبراهيم فهل لك أنا تزوجُه منها وتأخذ مهرها عشرة آلاف دينار ويخرج معك في هذه الغزوة فلعل الله تعالى أن يرزقه الشهادة في سبيله فيكون شفيعاً لي ولأبيه يوم القيامة , فقال لها عبد الواحد بن زيد : لأن فعلت لتفوزن أنت وزوجك وولدك فوزاً عظيماً ..
فنادت ولدها إبراهيم من وسط الناس .. فقال لها لبيكِ يا أماه .. فقالت أي بني أرضيت بهذه الجارية زوجة لك ببذل مهجتك في سبيل الله تعالى وترك العودة إلى الذنوب ..
فقال الفتى : أي والله يا أمي رضيت وأي رضا , فقالت : اللهم أني أشهدك أني قد زوجت ولدي هذا من هذه الحورية ببذل مهجته في سبيلك وترك العودة إلى الذنوب فتقبله مني يا أرحم الراحمين ..
ثم انصرفت فجاءت بعشرة آلا ف دينار ثم قالت : يا أبا عبيد الله هذه مهر الحورية تجهز به وجهّز به الغزاة في سبيل الله تعالى , ثم انصرفت فاشترت لولدها إبراهيم فرساً جيداً وسلاح ثقيلاً وخرج الجيش للقتال وهم يرددون قوله تعالى : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) الآية ..
فلما أردت أم إبراهيم فراق ولدها دفعت إليه كفناً وحنوطاً وقالت له : أي بني إذا أردت لقاء العدو فتكفن بهذا الكفن وتحنط بهذا الحنوط وإياك أن يراك الله تعالى مقصراً في سبيله ثم ضمته إلى صدرها وقبلت ما بين عينيه وقالت : لا جمع الله بيني وبينك إلا بين يديه في عرصات القيامة .
قال عبد الواحد : فلما واجهنا العدو برز ابنها إبراهيم في المقدمة فقتل من العدو خلقاً كثيراً ثم تجمعوا عليه فقتلوه فلما انتهت الغزوة ورجعنا إلى البصرة غانمين خرج الناس يتلقوننا ويستقبلوننا وخرجت أم إبراهيم فيمن خرج .. فلما أبصرتني قالت : يا أبا عبيد الله هل قُبلت مني هديتي فأهنئ ؟ أم رُدت علي فأعزى , فقلت لها : لقد قبلت هديتك وإن ولدك إبراهيم حيٌ مع الشهداء إن شاء الله تعالى , فخرَّت ساجدة لله تعالى ..
ثم قالت : الحمد الله الذي لم يخيب ظني وتقبل نسكي مني , فلما كان من الغد أتتني إلى المسجد فقالت : يا أبا عبيد بشراك .. بشراك ... فقلت لها ما زلتِ مبشرة بالخير فقالت : رأيت البارحة ولدي إبراهيم في روضة حسناء وعليه قبة خضراء وهو على سرير من اللؤلؤ وعلى رأسه تاج وإكليل وهو يقول لي : يا أماه أبشري فقد قبل المهر وزفت العروس إلى عريسها .
وقفة : ـ
إن الجهاد في سبيل الله من أعظم الطاعات وأشرف القربات .. ولذلك فقد أصبح الباب العظيم الذي يشرف إليه خواص الأولياء فيعرجون من خلاله إلى ربهم المتعال حيث السعادة الأبدية , وما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ..
ولقد خص الله تعالى الجهاد في سبيله بأجور عظيمة وهبات جسيمة وجعل المجاهدين في أعلى المنازل .. ومن هذه الفضائل :
- عن المقدام بن معد يكرب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( للشهيد عند الله ست خصال يغفر له في أول دفعة ويرى مقعده من الجنة ويجار من عذاب القبر ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منه خيرٌ من الدنيا وما فيها ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ويشفع في سبعين من أقاربه ) سنن الترمذي .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لغدوةٌ في سبيل الله أو روحةٌ خيرٌ من الدنيا وما فيها .. ولَقابُ قوس أحدكم أو موضع يده في الجنة خيرٌ من الدنيا وما فيها ولو أنِّ امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت إلى الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأت ما بينهما ريحا ولنصيفها على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري
- وعن أبي عبس عبد الرحمن بن جبر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله علبه وسلم : ( من غبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ) رواه البخاري .
أسأل الله أن يسخرني وإياكم لنصرة دينه وإعلاء كلمته .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم ..
المصدر ( كتاب جنان التائبين ) بتصرف